الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وما سقي من هذا بنهر أو سيل أو ما يكون فيه العشر فلم يكتف به حتى يسقي بالغرب فالقياس أن ينظر إلى ما عاش في السقيين فإن عاش بهما نصفين ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن عاش بالسيل أكثر زيد فيه بقدر ذلك قد قيل : ينظر أيهما عاش به أكثر فيكون صدقته به والقياس ما وصفت والقول قول رب الزرع يمينه " .

قال الماوردي : وهو صحيح .

لا يخلو حال الزرع من ثلاثة أقسام :

أحدهما : أن يكون جميع سقيه بماء السماء والسيح فهذا فيه العشر .

والثاني : أن يكون جميع سقيه بماء الرشا والنضح ، فهذا فيه نصف العشر .

والثالث : أن يكون سقيه بهما جميعا فذلك ضربان :

أحدهما : أن يكون في زرعين متميزين سقي أحدهما بالسحي والآخر بالنضح ، فكل واحد منهما يعتبر حكمه بنفسه ، فإذا ضما في ملك رجل واحد أخذ عشر أحدهما ونصف عشر الآخر .

والضرب الثاني : أن يكون زرعا واحدا سقي بالنضح تارة وبالسيح أخرى فهذا على ضربين .

أحدهما : أن يكون كل واحد من السقيين معلوما .

والثاني : أن يكون مجهولا : فإن كان معلوما قد ضبط قدر سقيه بماء السيح وقدر سقيه بماء النضح فذلك ضربان :

أحدهما : أن يتساويا معا فيكون نصف سقيه بماء السيح ونصف سقيه بماء النضح فالواجب فيه ثلاثة أرباع العشر : لأنه إذا ضم العشر إلى نصفه وأخذ نصف مجموعهما كان ثلاثة أرباع العشر .

والضرب الثاني : أن يتفاضلا فيكون أحد السقيين أكثر ففيه قولان :

أحدهما : يغلب حكم الأكثر ، فإن كان أكثر سقيه بماء السيح ففيه العشر ، وإن كان أكثر سقيه بماء النضح ففيه نصف العشر استشهادا بأصول الشرع في حكم الأغلب في [ ص: 251 ] العدالة والجرح ، وفي الماء إذا اختلط بمائع ، ولأن في اعتبارهما مشقة فروعي حكم أغلبهما تخفيفا .

والقول الثاني : وهو الصحيح : يعتبران معا ويؤخذ من الزرع بحسابهما : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب العشر فيما سقته السماء ونصف العشر فيما سقته النواضح ، فوجب أن يعلق كل واحد من الحكمين على ما علقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي اعتبار حكم الأغلب تغليب لحكم الأقل عليه ، وذلك غير جائز ، ولأنه لما اعتبر في الزرعين وإن كان أحدهما أغلب وجب أن يعتبرا في الزرع الواحد وإن كان أحدهما أغلب ، فعلى هذا القول إن كان ثلث سقيه بالسيح وثلثا سقيه بالنضح ففيه ثلثا العشر ، وإن كان ثلث سقيه بالنضح وثلثا سقيه بالسيح ففيه خمسة أسداس العشر ، ثم على هذه العبرة فيما قل وكثر واعتبار ذلك بأعداد السقيات التي يحيى الزرع بها ، فإذا سقي بالسيح خمس سقيات وبالنضح عشر سقيات كان ثلثه بالسيح وثلثاه بالنضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية