الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجب على رجل زكاة في ذهب حتى يكون عشرين مثقالا في أول الحول وآخره ، فإن نقصت شيئا ثم تمت عشرين مثقالا فلا زكاة فيها حتى تستقبل بها حولا من يوم تمت عشرين " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

[ ص: 270 ] كل مال وجبت الزكاة في عينه وجب اعتبار نصابه في الحول كله ، فإذا كان معه عشرون دينارا نقصت قيراطا ثم تمت ، أو كان له مائتا درهم نقصت درهما ثم تمت ، أو كان له أربعون من الغنم نقصت شاة ثم تمت استأنف لجميعها الحول من حين تمت نصابا ، ويبطل حكم ما مضى من حولها .

وقال أبو حنيفة : النصاب معتبر في طرفي الحول ولا اعتبار لنقصانه في أثنائه .

وقال مالك : النصاب معتبر في آخر الحول دون أوله وأثنائه احتجاجا بقوله صلى الله عليه وسلم في الورق فإذا بلغت خمس أواق ففيها الصدقة لم يجعل كمال النصاب غاية لوجوب الزكاة فيها ، ولأنه مال كمل نصابه في طرفي الحول فلم يكن نقصانه في أثنائه مسقطا لزكاته ، كعروض التجارات إذا نقصت قيمتها في أثناء الحول ثم تمت .

ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول والمال الذي كمل به النصاب لم يحل عليه الحول فلم تجب فيه الزكاة ، وإذا لم تجب فيه الزكاة لم تجب في الباقي : لأن حكمهما بالإجماع واحد ، ولأنه مال تجب الزكاة في عينه نقص نصابه عن حوله فاقتضى سقوط زكاته قياسا على نقصانه في أحد طرفي حوله ، ولأنه مال لا تعتبر زكاة قيمته انقطع نصابه في أثناء حوله ، فوجب أن لا تجب فيه الزكاة ، قياسا على تلف جميعه في أثناء الحول واستفادة مثله ، ولأن النصاب شرط في ابتداء الحول فوجب أن يكون شرطا في استدامته كالجزية والإسلام ، ولأن ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالسوم .

فأما الجواب عن الخبر فهو أن يقال : المقصود به بيان قدر النصاب ، واعتبار الحول مستفاد من قوله لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول فلم يكن فيه دلالة على عروض التجارات ، فالمعنى فيها أن الزكاة وجبت في قيمتها ، وفي اعتبار القيمة في أثناء الحول مشقة ، وليس كذلك ما وجبت الزكاة في عينه : لأنه لا مشقة في اعتبار كماله في الحول كله ، ولأن عرض التجارة لو باعه بعرض التجارة بنى على حوله فكذلك لم يعتبر كمال نصابه في أثناء حوله ، ولو باع إبلا ببقر لم يبن ، واستأنف بها الحول ، فكذلك اعتبر كمال نصابها في أثناء حولها والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية