الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كان وزنه ألفا وقيمته مصوغا ألفين فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته " .

قال الماوردي : أما الأواني المحرمة فزكاتها على وزنها لا على قيمتها ، فإذا كان وزن الإناء ألفا وقيمته لصنعته ألفين فعليه زكاة ألف اعتبارا بوزنه ، وسواء كسر الإناء وأخذ زكاته من عينه أو أخرج عنه الزكاة من غيره ، وأما الحلي المصوغ فإن كان محظورا فزكاته على وزنه لا على قيمته كالأواني ، وإن كان مباحا وزنه ألف وقيمته ألفان فقد قال أبو العباس بن سريج : نعتبر الصنعة ونوجب الزكاة شائعة في جملته ، ثم يتبع قدر الزكاة فيه مشاعا ، إلا أن يعطي المالك قيمة الزكاة ذهبا ، أو يعطي من هذا الألف خمسة وعشرين درهما مصوغة تساوي خمسين درهما ، فإن أعطى خمسين درهما قال : لا يجوز ، وإن أراد المالك كسر [ ص: 277 ] حليه وإخراج زكاته من عينه منعه : لأن فيه إتلاف ما اعتبره من الصنعة ، وهذا الذي قاله أبو العباس عندي غلط ، فإن الزكاة في الحلي إذا وجبت فإنها تجب في عينه لا في قيمته ، ألا ترى أنه لو كان وزن الحلي مائة وقيمته لصنعته مائتان لم تجب فيه الزكاة : لأن وزنه لم يبلغ نصابا ، وإن بلغت قيمته نصابا ، وإذا وجبت زكاة الحلي في عينه لم يجب اعتبار قيمته ، ولأن زيادة القيمة في مقابلة الصنعة ، وليست الصنعة عينا تجب فيها الزكاة ، فلم يجز اعتبارها ولأنه لو وجب اعتبار الصنعة لوجب المطالبة بزكاة جميع القيمة حتى إذا كان وزنه ألفا وقيمته ألفا طولب بزكاة ألفين ، فإن قال أبو العباس : لست أجعل الصنعة عينا وإنما أجعلها من صفات العين ، وأجعل الزكاة في العين على مثل تلك الصنعة ، كما أقول في الدنانير المضروبة تجب الزكاة في عينها على مثل صفتها وضربها ، فإن دفع ذهبا خالصا غير مضروب مثل ذهب الدنانير المضروبة لم يجز ، فكذا في الحلي المصوغ تجب زكاته في عينه على مثل صفته في صنعته ، فإن دفع مثل جنسه غير مصوغ لم يجز ، قيل له : الفرق بينهما ، أن ضرب الدنانير وطبعها أقيم مقام صفات الجنس من الجودة والرداءة : لجواز ثبوته في الذمة ، كثبوت ضمان الجنس فوجب اعتباره في الزكاة ، كما وجب اعتبار صفات الجنس ، وليست صفة الحلي جارية مجرى صفات الجنس : لأنه لا يصح ثبوتها في الذمة فلم يجز اعتبارها في الزكاة ، يوضح ما ذكرت أن من أتلف على غيره دنانير مضروبة لزمه مثلها ولو أتلف حليا مصوغا لم يلزمه مثله مصوغا ، على أن أبا العباس يجيز أخذ القيمة في زكاة الحلي ويمنع منها في زكاة الدنانير ، فخالف المذهب في جواز أخذ القيم ، وفرق بينهما من حيث جمع فلا بالمذهب أخذ ولا للحجاج انقاد ، فإذا وضح ما ذكرنا فلا اعتبار بصفته ولا معول على قيمته ويزكيه على وزنه إما منه أو من غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية