الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحيوان الطاهر فضربان :

[ الأول ] : مأكول .

و [ الثاني ] : غير مأكول . فأما غير المأكول كالبغل ، والحمار والسبع ، والذئب فيطهر جلده بالدباغة ولا يطهر بالذكاة .

وقال أبو حنيفة : يطهر جلده بالذكاة كما يطهر بالدباغة .

وقال أبو ثور - إبراهيم بن بشر - لا يطهر جلده بالدباغ كما لا يطهر بالذكاة ، فأما أبو حنيفة فاستدل على طهارة جلده بالذكاة بقوله عليه السلام : " دباغ الأديم ذكاته " فأقام الذكاة مقام الدباغة ، وقد ثبت أن جلده بالدباغة يطهر ، فوجب أن يطهر بالذكاة كالمأكول .

[ ص: 58 ] قال : ولأن ما طهر جلد المأكول طهر جلد غير المأكول كالدباغة .

ودليلنا هو أن تقويت الروح إذا لم يطهر غير الجلد لم يطهر الجلد كالرمي في المقدور عليه من الحيوان طردا ، وفي غير المقدور عليه عكسا ، ولأنها ذكاة لا تبيح أكل لحمه فوجب أن لا يفيد طهارة جلده كزكاة المجوسي طردا ، أو كزكاة المسلم عكسا ، ولأن التطهير المستفاد بذكاة المأكول ينتفي عن ذكاة غير المأكول كتطهر اللحم .

وأما الخبر فمعنى قوله عليه السلام : " دباغ الأديم ذكاته " ، أي : مطهره أو الذكاة لا تطهر ، لأنها تبقي نجاسة نظرا بالموت لا أنها تبقي نجاسة ثابتة قبل على المأكول فالمعنى في ذكاته أنها أباحت أكل لحمه فأفادت طهارة جلده ، وليس كذلك غير المأكول .

وأما قياسهم على الدباغة فالمعنى في الدباغة : أنها موضوعة لنفي النجاسة الطارئة بالموت وليس كذلك الذكاة .

وأما أبو ثور فاستدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغة بقوله صلى الله عليه وسلم : " دباغ الأديم ذكاته " ، فلما لم تعمل الذكاة في غير المأكول لم تعمل فيه الدباغة وبما روي أن [ ص: 59 ] النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى عن افتراش جلود السباع " فلو كانت تطهر بالدباغة لم ينه عن افتراشها ، ولأنه حيوان لا يطهر جلده بالذكاة فوجب أن لا يطهر بالدباغة كالكلب ، والخنزير ، ولأن الدباغة أحد ما يطهر به الجلد فوجب أن ينتفي عن غير المأكول كالذكاة .

ودليلنا عموم قوله عليه السلام : " أيما أهاب دبغ فقد طهر ولأنه حيوان طاهر فجاز أن يطهر جلده بالدباغة كالمأكول ، ولأن ما ينفي عن المأكول تنجيس جلده ينفي عن غير المأكول تنجيس جلده كالحياة . وأما الجواب عن الخبر ، فقد تقدم من الفرق بين الدباغة والذكاة ما يوضح الجواب عنه .

وأما نهيه عن افتراش جلود السباع فمحمول على ما قبل الدباغة ، أو على ما بعد الدباغة إذا كان الشعر باقيا ، لأن المقصود منها شعورها كالفهودة والنمورة .

وأما قياسه على الكلب والخنزير فالمعنى فيه : نجاسة في الحياة ، وأما قياسه على الذكاة فالمعنى في الذكاة : أنها لا مدخل لها في إزالة الأنجاس ، وللدباغة مدخل في إزالة الأنجاس .

التالي السابق


الخدمات العلمية