الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما ذوو الأسباب فضربان :

أحدهما : المملوكون من العبيد والإماء وقد مضى الكلام فيه :

والضرب الثاني : الزوجات فعلى الزوج عندنا زكاة فطرهن سواء كان إيسارا أو إعسارا .

وقال أبو حنيفة وصاحباه لا تلزمه زكاة الفطر عنهن ، وهي واجبة في أموالهن احتجاجا بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس الخبر إلى أن قال " ذكر أو أنثى من المسلمين " وكان عموم هذا متناولا للزوجات كما كان متناولا للأزواج ، ولأن كل من وجبت عليه زكاة ماله وجبت عليه فطره كالزوج ، ولأن كل من وجبت عليه فطرة رقيقه ، وجبت عليه فطرة نفسه كالخلية غير ذات الزوج ، ولأنه حق لله تعالى يتعلق بالمال فوجب أن لا يتحمل بالزوجة كالزكوات والكفارات ، ولأن النكاح عقد مستباح به المنفعة فلم تجب به زكاة الفطر كالمستأجرة .

والدلالة على ما قلنا ، حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على كل حر مسلم وعبد ذكر وأنثى ممن تمونون والزوج ممن يلزم مؤنتها فوجب أن يلزم زكاة فطرها وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم أنه قال أدوا زكاة الفطر عمن تمونون .

وروى عطاء عن أبيه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على كل مسلم ومن يمونون من امرأة أو ولد أو مملوك أو صغير أو كبير صاعا من تمر وهذا وإن كان مرسلا فقد جاء بما يوافق المتصل فقبلناه ، ولأن كل سبب تجب به النفقة جاز أن تجب به زكاة الفطر كالملك والنسب ، ولأن كل حق يتحمل بالنسب جاز أن يتحمل بالزوجية كالنفقة ، ولأنه من أهل الطهرة يلزمه نفقة شخص من أهل الطهرة ، فوجب أن يلزمه فطره مع القدرة كعبيده وصغار ولده ، فإن قالوا هذا باطل بالعبد والمكاتب عليهما نفقة الزوجة دون زكاة الفطر ، قلنا : إنما لم تجب عليهما لأنهما بالرق قد عدما القدرة فإن قالوا : فهذا يبطل بالمضطر فإن على الإمام أن ينفق عليه من بيت المال ، ولا تلزمه زكاة فطره قيل : عن هذا جوابان :

أحدهما : أن نفقته غير واجبة ، وإنما له في بيت المال حق يعطاه بالحاجة : لأن باقي بيت المال بعد المصلحة مصروف في الحاجة ، فلم تكن نفقته واجبة .

[ ص: 355 ] والثاني : أنه وإن كان ذلك نفقة ، فليست بواجبة على الإمام ، وإنما هي واجبة في بيت المال ، وعلى الإمام إخراجها كما وجبت نفقة اليتيم من ماله ووجب على وليه إخراجها ، فأما احتجاجهم بحديث ابن عمر فجوابنا لهم في الزوجة كجوابنا لداود في العبد ، وقد مضى ، وأما قياسهم على الزوج ، وعلى الخلية غير ذات الزوج ، فالمعنى فيه أنه لما وجبت نفقة الزوج في ماله ، ونفقة غير ذات الزوج في مالها كانت زكاة الفطر تبعا لها ، ولما وجبت نفقة الزوجة على زوجها كانت زكاة الفطر تبعا لها .

وأما قياسهم على الكفارات والزكوات فالمعنى فيه : أنه لما لم يتحمل بالنسب والملك لم يتحمل بالزوجية ، ولما كانت زكاة الفطر تتحمل بالنسب والملك جاز أن تتحمل بالزوجية ، وأما قياسهم على المستأجرة فالمعنى فيه : إن نفقتها غير واجبة فلذلك لم تجب زكاة فطرها ، ولما كانت نفقة الزوجة واجبة ، كانت زكاة فطرها واجبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية