الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان فيمن يمون كافر لم يزك عنه : لأنه لا يطهر بالزكاة إلا مسلم . قال محمد وابن عاصم قال سمعت : المعضوب الذي لا منفعة فيه " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن الكافر لا تلزمه زكاة الفطر ودليلنا عليه وهو إجماع ، فأما المسلم إذا لزمته مؤنة كافر من ولد أو والد وزوجة أو عبد ، فعليه نفقتهم دون زكاة فطرهم . وقال أبو حنيفة : إذا ملك المسلم عبدا كافرا لزمته زكاة فطره احتجاجا بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا زكاة الفطر عمن تمونون ولم يفصل ولأنه ملك لمسلم فجاز أن تلزمه زكاة فطره كالعبد المسلم ، ولأن اعتبار حال السيد الدافع أولى من اعتبار حال العبد المدفوع عنه : لأمرين :

أحدهما : أنها تجب على السيد دون العبد فكان اعتبار من وجب عليه أولى .

والثاني : أن زكاة الفطر تجب بشرطين الإسلام والمال ، فلما كان أحد الشرطين وهو المال معتبرا بالسيد وجب أن يكون الشرط الثاني وهو الإسلام معتبرا بالسيد ، وإذا كان اعتبار حال السيد أولى لزمته فطرة عبده إذا كان مسلما وإن كان العبد كافرا ، كما يلزمه فطرة عبده إذا كان موسرا ، وإن كان العبد معسرا ، والدلالة على ما قلناه حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر إلى أن قال على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين فقيده بالإسلام .

[ ص: 359 ] وروى الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما على المسلم زكاة في عبده ولا فرسه إلا صدقة الفطر ، وإن على كل نفس مسلمة حرة أو مملوكة صدقة وكان وجوب صدقة الفطر في هذه الأخبار مقيدا بالإسلام ، فلم تجب بفقده وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين فأخبر أنها طهرة والكافر لا يتطهر بها ، وأنها للصائم والكافر لا صوم له ، فثبت أنها لا تجب على الكافر ولا عن العبد الكافر ، ولأنه مملوك مشرك فوجب أن لا تلزم زكاة فطره ، كما لو كان ملكا لمشرك ، ولأن وجوب أداء الفطرة عن نفسه أوكد من وجوب أدائه عن غيره لأمرين :

أحدهما : أنه أصل وهم فرع .

والثاني : أنه إذا ضاق ماله عن جميعهم بدأ بأدائها عن نفسه ، فالبداية إنما تكون بالأوكد ، ثم ثبت أن الكفر مؤثر في إسقاطها عن نفسه ، فلم تجب عليه إذا كان كافرا ، كان أولى أن يكون مؤثرا في إسقاطها عن عبده إذا كان كافرا ، ولأن الإسلام شرط معتبر في وجوب الفطرة بإجماع ، وليس يخلو أن يكون معتبرا في الدافع أو المدفوع عنه أو فيهما جميعا معا ، فلم يجز أن يكون معتبرا في الدافع وحده : لأنه يتحمل عن غيره ، ولا في المدفوع عنه وحده : لأن وجوبها على غيره ، فثبت أنه معتبر فيهما مع كونه عاما ، وعلى الأصول في ذوي الألباب مطردا ، وبهذا يبطل استدلاله وتعارض قياسه وبخبرنا نخص خبره .

التالي السابق


الخدمات العلمية