الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يموت قبل غروب الشمس فقد مات قبل وجوب زكاة الفطر عليه ، فزكاته غير واجبة بحال فأما زكاة الفطر عن رقيقه فهي واجبة على ورثته : لأن زمان الوجوب أتى بعد انتقال التركة إلى ملكهم ، ثم ينظر فإن لم يكن على الميت دين فقد استقرت التركة في ملكهم ، ووجبت فطرة الرقيق عليهم تقسط بينهم على قدر مواريثهم ، فإن كان على الميت دين محيط بقيمة التركة والرقيق ، كان قيمة الرقيق ألفا وقدر الدين ألفا فقد حكي عن أبي سعيد الإصطخري أن فطرة الرقيق غير واجبة على الورثة ، لإحاطة الدين بها ، ولا على المتوفى لموته قبل وجوبها ، قال أبو سعيد : التركة باقية على ملك المتوفى لا يملكها الورثة ، إلا بعد قضاء الدين كله احتجاجا بقوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين ، [ النساء : 11 ] ، فجعل الوارث مالكا للتركة بعد قضاء الدين والوصية ، فدل على انتفاء ملكه من قبل ، وإذا لم يملكها الوارث فهي على الميت قال : ولأن عهدة ما بيع من تركة الميت في دينه عليه لا على وارثه ، والعهدة إنما تجب على المالك دون غيره ، فلو كان الملك قد انتقل من الميت إلى الوارث لوجبت العهدة على الوارث دون الميت ، فلما لم تجب عليه دل على أن الملك لم ينتقل إليه ، ومذهب الشافعي وسائر أصحابه أن التركة قد انتقلت إلى ملك الوارث بموته قبل إخراج وصاياه وقضاء ديونه والدلالة على صحة ذلك أمور .

أحدها : ما لا يعرف فيه خلاف أن للورثة أن يقضوا ديونه من غير التركة ، وتكون التركة ملكا لهم ، فلولا أن التركة على ملكهم لم يكن ذلك جائزا لهم .

والثاني : أن الميت لو كان له دين ، وعليه دين جاز للورثة أن يخلفوا على دينه ، ويستحقوا ويقضوا منه ديونه فلولا أن ملك الدين قد انتقل إليهم ما جاز أن يخلفوا على غير ملكهم .

والثالث : ما أجمعوا عليه أن الميت لو كان عليه دين وخلف اثنين ثم مات أحد الاثنين ، وترك ابنا ثم أن الغرماء أبرءوا الميت من ديونهم كانت التركة بين الابن الباقي وابن ابن الميت نصفين ، فلو كانت التركة على ملك الميت لا تنتقل إلى الورثة إلا بعد قضاء الدين لوجب أن تكون جميع التركة للابن الباقي : لأن الميت لم يكن مالكا لشيء منها في حياته ، فلما أجمعوا على خلاف هذا دل على أن التركة قد انتقلت بالموت إلى ملك الورثة ، فأما الآية فالمراد بها جواز التصرف دون الملك ، وأما الرجوع بالعهدة في تركته فلأن البيع كان من أجل دينه ، وقد يرجع بالعهدة في مثل هذا على من ليس بمالك ، ألا ترى أن عبدا لو بيع في جنايته ، ودفع ثمنه إلى المجني عليه ثم مات العبد قبل تسليمه ، رجع المشتري بعهدته وقيمته على المجني عليه دون سيده ، فإذا ثبت هذا فزكاة فطر الرقيق على الورثة ، وإن كان الدين محيطا بالتركة .

[ ص: 370 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية