الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : يستحب للفقير أن يتعفف عن السؤال لما روي عن بعض الصحابة أنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، وأن لا يسأل أحد أحدا شيئا وروى أبو سعيد الخدري أن أناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ، حتى إذا نفد ما عنده قال : ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن [ ص: 393 ] يتصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد من عطاء أوسع من الصبر ، وروى طارق عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم يسد الله فاقته ، ومن أنزلها بالله أوشك له بالغنى أو بموت عاجل فلذلك كرهنا له السؤال مع قوله تعالى : لا يسألون الناس إلحافا [ البقرة : 273 ] فإن سأل لم يحرم السؤال عليه إذا كان محتاجا ويقصد بسؤاله أهل الخير والصلاح فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت لا بد سائلا فاسأل الصالحين وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يد الله العلياء ويد المعطي الوسطى ويد المستعطي السفلى فأما من سأل وهو غني عن المسألة ، بمال أو بصناعة فهو بسؤاله آثم ، وما يأخذه عليه محرم قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سأل وهو غني ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه ، قيل : وما غناه ؟ قال خمسون درهما أو عدلها من الذهب وقال صلى الله عليه وسلم من سأل وله أوقية فقد سأل الناس إلحافا وليس الغنى بالمال وحده بل قد يكون الرجل غنيا بماله ، وقد يكون غنيا بنفسه وصنعته ، فإذا استغنى بمادة من مال أو صنعة ، كان غنيا تحرم المسألة عليه ، ونحن نسأل الله المعونة وحسن الكفاية بتوفيقه ومنه إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية