الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا شهد على رؤيته عدل واحد فقد نص الشافعي في القديم والجديد على قبول شهادته ، وقال في البويطي : لا يقبل فيه إلا شاهدان ، فاختلف أصحابنا في ترتيب المسألة على مذهبين أحدهما : أن المسألة على قولين :

أحد القولين : لا يقبل فيه أقل من شاهدين ، وهو قول مالك والليث بن سعد والأوزاعي ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم " فإن شهد ذوا عدل فصوموا " فعلق حكم الشهادة بعدلين فعلم أن حكم الواحد مخالف لحكمهما ، ولأنها شهادة على رؤية الهلال فوجب أن لا يقبل فيها أقل من عدلين قياسا على هلال شوال .

والقول الثاني : يقبل فيه شاهد واحد وبه قال أبو حنيفة إذا كانت السماء مغيمة ، ودليل هذا القول رواية نافع عن ابن عمر أنه قال تراءى الناس الهلال فرأيته وحدي فأخبرت رسول [ ص: 413 ] الله صلى الله عليه وسلم بذلك فصام ، وأمر الناس بالصيام وروى عكرمة عن ابن عباس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رأيت الهلال فقال : " أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ " قال : نعم . قال : " أتشهد أن محمدا رسول الله " قال : نعم . قال : " قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا " . وروي عن طاوس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس ، فشهد رجل عند الوالي أنه رأى الهلال فبعث الوالي إليهما يسألهما فأمراه أن يجيز شهادتهما ، وأخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصوم بشهادة واحد ، وكان لا يقبل في الفطر إلا الاثنين وروت فاطمة بنت الحسين ، أن رجلا شهد عند علي رضوان الله عليه على رؤية الهلال فصام ، وأمر الناس بالصيام وقال : " لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان " ولأنه حال يستوي فيه المخبر والمخبر فوجب أن يحكم فيه بقول الواحد .

أصله : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمذهب الثاني : في ترتيب هذه المسألة أن يقال : إن صحت هذه الأخبار ، وثبتت قبل شهادة الواحد قولا واحدا ؛ لأن من الناس من ضعفها ، ومنهم من أثبتها وإن لم تصح فعلى قولين :

أحدهما : لا يقبل إلا شاهدان كسائر الأهلة .

والثاني : يقبل شاهد واحد للاحتياط والأثر الثابت عن علي رضوان الله عليه فإذا قيل : بقبول شهادة الواحد لم يجز أن يقبل شاهد عبدا ، ولا امرأة ولا صبي لأنهم من غير أهل الشهادة ، وأجاز أبو حنيفة شهادة العبد والمرأة وأجراه مجرى الخبر ، وساعده عليه أبو إسحاق المروزي وليس بمذهب للشافعي بل منصوصه خلافه ، ولو جرى مجرى الخبر للزم فيه قبول الواحد عن الواحد ، ولم يقل بهذا أحد فعلم أنها شهادة ، فإن قيل : فإذا أمرتم بالصيام بشهادة واحد ثم أوجبتم الفطر بعد تمام الثلاثين ، فقد قضيتم في الفطر بشهادة الواحد قيل : في ذلك وجهان ذكرهما أبو إسحاق في شرحه :

أحدهما : إذا لم ير الناس هلال شوال صاموا أحدا وثلاثين اعتبارا بهذا المعنى .

[ ص: 414 ] والوجه الثاني : وهو منصوص الشافعي : أنه إذا صام الناس الثلاثين أفطروا في الحادي والثلاثين رأوا الهلال أو لم يروه ؛ لأنه إذا ثبت الابتداء لم يكن ما طرأ عليه مما لا يثبت به قادحا في إثباته ، كما تثبت الولادة بشهادة النساء منفردات ، وإن كان يتبعها أحكام النسب والميراث ، وما لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية