الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن في الكفارة قولين أصحهما كفارة واحدة .

والثاني : كفارتان فإن قلنا بوجوب كفارتين راعيت حال كل واحد منهما في نفسه من يساره وإعساره ، فربما اتفقت أحوالهما فأعتقا معا ، أو صاما معا أو أطعما معا وربما اختلفت أحوالهما فأعتق أحدهما ، فصام الآخر أو صام أحدهما وأطعم الآخر ، فلا يكون لأحدهما تعلق بحال صاحبه ، كما لو حنثا في يمين وإن قلنا بوجوب كفارة واحدة ، وهو الصحيح ففي كيفية وجوبها قولان :

أحدهما : أنها وجبت ابتداء على الزوج كالمهر الذي يختص به الزوج ، وإن اشتركا في الوطء فعلى هذا يعتبر بها حال الزوج وحده ، فإن أعتق أو صام أو أطعم أجزأ ، ولا شيء على الزوجة بحال ، لا حظ لها في الوجوب .

والقول الثاني : أن الكفارة وجبت عليهما ، ثم يحمل الزوج عنهما لأنهما اشتركا في هتك الحرمة ، فوجب أن يشتركا في الكفارة ، فعلى هذا لا يخلو حالهما من أحد أمرين :

إما أن تتفق أحوالهما أو تختلف ، فإن اتفقت أحوالهما فعلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون الزوج من أهل العتق وهي من أهل الصيام ، فعلى الزوج عتق رقبة ثم ينظر في حالها ، فإن كانت مع كونها من أهل الصيام ، ممن يجوز أن تكفر بالعتق لحريتها فعتق الزوج يجزيهما ، وإن كانت ممن لا يجوز أن لا تكفر بالعتق لرقها ، فعليها صيام شهرين لا يجزيها عتق الزوج .

والقسم الثاني : أن يكون الزوج من أهل العتق ، وهي من أهل الإطعام فعلى الزوج عتق رقبة ويجزيهما ؛ لأن من لزمه الإطعام أجزأه العتق ، لأنهما حقان في مال والعتق أغلظ حالا .

والقسم الثالث : أن يكون الزوج من أهل الصيام ، وهي من أهل الإطعام فعلى الزوج صيام شهرين عن نفسه ، وإطعام ستين مسكينا عن زوجته ؛ لأن الصيام لا ينوب عن إطعام وجب على غيره ، وإن كانت هي أعلى حالا من الزوج ، فعلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون هي من أهل العتق ، وهو من أهل الصيام ، فعليه صيام شهرين عن [ ص: 427 ] نفسه ، وعتق رقبة عن زوجته تكون في ذمته إلى حين يساره ؛ لأن الإعسار لا يسقط حقا لزم عن الغير ؛ لأنه مؤنة كالدين ، وإنما يسقط ما تعلق بخاصة نفسه ، فإن بدأ بالصيام لزمه عتق الرقبة بعد صيامه ، وإن بدأ بالعتق أولا نظر في حاله فإن كان ممن يجوز له التكفير بالعتق لحريته ، وعدم رقة أجزأته الرقبة ، وسقط عنه الصيام ، وإن كان ممن لا يجوز له التكفير بالعتق لرقه أو رق بعضه لم يسقط عنه الصوم ، بعتق الرقبة ، ولزمه صوم شهرين متتابعين .

والقسم الثاني : أن تكون الزوجة من أهل العتق ، وهو من أهل الإطعام فعليه إطعام ستين مسكينا عن نفسه ، وعتق رقبة عن زوجته فإن بدأ بالإطعام أولا ، لم يسقط عنه العتق ، ولزمه تحرير الرقبة ، وإن أعتق أولا أجزأه ، وسقط عنه الإطعام ؛ لأنه قد أدى ما وجب عليه بما هو أغلظ منه ، إذ هما من حقوق الأموال والعتق أغلظ حالا .

والقسم الثالث : أن تكون الزوجة من أهل الصيام والزوج من أهل الإطعام فعليها صيام شهرين متتابعين عن نفسها ؛ لأن العتق لا تدخله النيابة ، وعلى الزوج إطعام ستين مسكينا عن نفسه ، ولا يلزمه تحمل شيء عن زوجته .

التالي السابق


الخدمات العلمية