الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن حركت القبلة شهوته كرهتها له ، وإن فعل لم ينتقض صومه ، وتركه أفضل ، ( قال إبراهيم ) سمعت الربيع يقول : فيه قول آخر أنه يفطر إلا أن يغلبه فيكون في معنى المكره يبقى ما بين أسنانه وفي فيه من الطعام فيجري به الريق وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم قالت عائشة وكان أملككم لإربه بأبي هو وأمي ( قال ) وروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يكرهانها للشباب ولا يكرهانها للشيخ " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

وحكي عن محمد ابن الحنفية وابن شبرمة : أن القبلة تفطر الصائم تعلقا برواية ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قبل الصائم الصائمة فقد أفطر " .

وذهب سائر الفقهاء : إلى أن القبلة لا تفطر الصائم إلا أن ينزل معها ، فإن أنزل أفطر ، ولزمه القضاء ولا كفارة ، وإنما لم يفطر بالقبلة إذا لم ينزل ؛ لما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ، فقال أراك هي فضحكت .

[ ص: 439 ] وروى الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، وكان أملككم لإربه بتسكين الراء ، وروي لإربه بفتحها وفيه تأويلان :

أحدهما : أرادت العضو نفسه .

والثاني : وهو أصح إنها أرادت شهوته ، وروي أن رجلا سأل زوجته أن تسأل أم سلمة عن الصائم ، يقبل زوجته فسألتها ، فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم . فرجعت المرأة وأخبرت زوجها فغضب وقال : لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ارجعي فسأليها عن حالنا فرجعت إلى أم سلمة وأخبرتها فقالت أم سلمة : لا علم لي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبرتيها بذلك ؟ " فقالت قد أخبرتها فقالت كيت وكيت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إني لأرجو أن أكون أقومكم على دينه " . وروى جابر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال : هششت فقبلت وأنا صائم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله صنعت أمرا عظيما أفتجد لي من رجعة ؟ فقال وما ذلك ؟ فقلت : قبلت وأنا صائم فقال : " يا عمر أرأيت لو تمضمضت بالماء ؟ " قلت لا بأس به ، قال : " ففيم ؟ " يعني والله أعلم أن القبلة بلا إنزال كالمضمضة بلا ازدراد . فأما خبر ميمونة فإنه غير ثابت على أنه وإن صح فمعناه إذا أنزل ، أو يكون على طريق التغليظ والزجر ، كقوله عليه السلام " أفطر الحاجم والمحجوم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية