مسألة : قال  
الشافعي   رضي الله عنه : " وإذا  
أغمي على رجل فمضى له يوم أو يومان من شهر رمضان ، ولم يكن أكل ولا شرب  فعليه القضاء ، فإن أفاق في بعض النهار فهو في يومه ذلك صائم ، وكذلك إن أصبح راقدا ثم استيقظ ( قال  
المزني      ) إذا نوى من الليل ثم أغمي عليه فهو عندي صائم أفاق أو لم يفق واليوم الثاني ليس بصائم ؛ لأنه لم ينوه في الليل وإذا لم ينو في الليل فأصبح مفيقا فليس بصائم " .  
قال  
الماوردي      : أما إذا  
نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه نهاره أجمع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس  ، فمذهب  
الشافعي   أن صومه باطل ؛ لأنه أتى بنية مجردة عريت عن قصد وعمل فشابه الصلاة ، وقال  
المزني      : صومه جائز قياسا على النائم فأما إذا  
نوى الصيام من الليل ، ثم نام نهاره أجمع  ، فمذهب  
الشافعي   أنه على صومه ؛ لأن حكم العبادات جار عليه ، وقال  
أبو سعيد الإصطخري      : صومه باطل قياسا على المغمى عليه والفرق بين النوم والإغماء واضح ، وهو أن النوم جبلة ، وعادة تجري مجرى الصحة التي لا قوام للبدن إلا بها والإغماء عارض مزيل لحكم الخطاب فلم يصح معه الصيام إذا اتصل واستدام ، فأما إذا أغمى عليه في بعض النهار ، وأفاق في بعضه فقد قال  
الشافعي   هاهنا : " إذا أفاق في بعض نهاره صح صومه " ، وقال في كتاب الظهار إذا أفاق في أول النهار صح صومه ، وقال في اختلاف العراقيين : " وإذا حاضت ، أو أغمي عليها بطل صومها " ، فاختلف أصحابنا في مذهب  
الشافعي   على ثلاثة أوجه :  
أحدهما : وهو قول  
أبي إسحاق المروزي   أن المسألة على ثلاثة أقاويل منصوصة :  
أحدها : متى أفاق في بعض نهاره صح صومه .  
والثاني : أن صومه لا يصح حتى يكون مفيقا في أول النهار .   
[ ص: 442 ] والثالث : أن صومه يبطل بالإغماء كالحيض والجنون .  
والوجه الثاني : أن المسألة على قولين :  
أحدهما : متى أفاق في بعض النهار صح صومه .  
والثاني : لا يصح صومه حتى يكون مفيقا في أول النهار ، وما قاله في اختلاف العراقيين ، إذا حاضت أو أغمي عليها بطل صومها ففيه جوابان :  
أحدهما : أن جوابه عاد إلى الحيض دون الإغماء وقد يجمع  
الشافعي   بين مسائل ، ثم يعيد الجواب إلى بعضها .  
والثاني : أنه أراد إغماء الجنون لا إغماء المرض .  
والوجه الثالث : أن المسألة على قول واحد ، أن صومه لا يصح حتى يكون مفيقا في أول النهار ، هذا اختيار 
أبي العباس   ، وحمل إطلاق بعض النهار على ما قيده في كتاب " الظهار " ، قال  
أبو العباس   فإذا أفاق في أول النهار فمن صحة صومه أن يكون مفيقا في آخره ، فاعتبر الإفاقة في الطرفين عند الدخول في الصوم ، وعند الخروج منه فكان  
أبو إسحاق المروزي   ، يغلط فيخرج هذا قولا رابعا  
للشافعي   وليس يعرف  
للشافعي   ما يدل عليه وهذه أحد مسائل  
أبي إسحاق   التي غلط فيها على  
الشافعي   فهذا الكلام في اليوم الأول ، وسنذكر توجيه كل قول في كتاب " الظهار " إن شاء الله ، فأما اليوم الثاني ، وما يليه من أيام الإغماء فصومه فيه باطل لا يختلف ، وعليه قضاء ذلك لإخلاله بالنية ، فإن قيل : فهلا أسقطتم عنه قضاء الصيام كما أسقطتم عنه قضاء الصلاة ، قيل : لأن الصلاة يلزم استدامة قصد العمل فيها فإذا خرج أن يكون من أهل القصد سقط عنه القضاء والصوم لا يلزمه استدامة قصد العمل فيه ، ويصح منه وإن أخل بالقصد في بعضه ، فلذلك لزمه القضاء ، ولم يسقط منه زوال القصد ، وهذا الفرق تعليل من أصحابنا والذي يوجبه القياس ، أن يستوي الجنون والإغماء في سقوط الصوم كما استويا في سقوط الصلاة ، ويستوي حكم الصيام والصلاة في سقوط القضاء ، كما استويا في الجنون فأما الجنون إذا طرأ على الصوم ، فقد أفسده سواء وجد في جميع النهار أو في بعضه ، ولا قضاء عليه لارتفاع القلم عنه فإن قيل : فهلا لزم فيه القضاء كالإغماء قيل : لأن الإغماء مرض في القلب وعارض لا يدوم ، وإنما هو كالنوم يجوز حدوث مثله للأنبياء ، والجنون يزيل العقل ويسقط حكم التكليف ، ولا يجوز حدوث مثله للأنبياء ، فلهذا افترقا في حكم القضاء أو ما ذكرناه من مقتضى القياس في التسوية بينهما يدفع هذا الفرق المدخول فيه ، فأما  
الردة إذا طرأت في شيء من نهار الصوم  فقد أبطلته ؛      
[ ص: 443 ] لأن المرتد لا يصح منه أداء عبادة في حال الردة لفساد المعتقد فإذا عاد إلى الإسلام لزمه القضاء كما يقضي ما ترك من الصلوات .