الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا سافر الرجل بالمرأة سفرا يكون ستة وأربعين ميلا بالهاشمي ، كان لهما أن يفطرا في شهر رمضان ويأتي أهله ، فإن صاما في سفرهما أجزأهما " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، كل مسافة جاز أن تقصر فيها الصلاة جاز أن يفطر فيها .

في شهر رمضان ؛ لأن الفطر رخصة كالقصر ، واختلفوا في قدر المسافة فعندنا أنها مسافة يوم وليلة بسير النقل ، ودبيب الأقدام وقدر ذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ، أو ثمانية وأربعون ميلا بالمرواني ، وهو ستة عشر فرسخا ، وهو أربعة برد وحكينا خلاف أبي حنيفة في كتاب الصلاة ، ودللنا عليه بما أغنى عن إعادته ، فمن ذلك ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تفطروا يا أهل مكة في أقل من أربعة برد " وذلك من مكة إلى عسفان وإلى الطائف ، فإذا سافر قدر المسافة المذكورة جاز لهما الفطر إن شاء بالأكل أو بالجماع فلا كفارة عليه ؛ لأن الفطر المباح يستوي فيه حال الأكل والجماع ، والفطر في السفر مباح ، وحكي عن طائفة من أهل الظاهر وبه قال قوم من الصحابة أن الفطر في السفر واجب تعلقا بقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] فأمره بالقضاء على الأحوال كلها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس من البر الصيام في السفر " وبقوله صلى الله عليه وسلم " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " والدلالة على أن الفطر رخصة وإباحة رواية عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الأسلمي " إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كل ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم وقضى وصام وأفطر وروي عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك أنهما قالا : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الصائم ومنا المفطر لا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم فأما قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ، ففي الآية الإضمار وهو الفطر الذي يجب فيه القضاء ، وأما قوله : " ليس من البر الصيام في [ ص: 446 ] السفر " فخارج على سبب ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل ، وقد اجتمع عليه الناس وهو ينقل من فيء إلى فيء فسأل عنه فقالوا : أجهده الصوم فقال : ليس من البر الصيام في السفر " يعني لمن كان في مثل حاله ، وأما قوله " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فموقوف على عبد الرحمن بن عوف فإن صح فمعناه إذا اعتقد وجوب الصوم في السفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية