الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن قضى متفرقا أجزأه ومتتابعا أحب إلي " .

[ ص: 454 ] قال الماوردي : وهذا صحيح ، الأولى في القضاء أن يأتي به متتابعا ، وإن قضى متفرقا أجزأه ، وبه قال ابن عباس ومعاذ وأبو هريرة وأنس بن مالك ورافع بن خديج ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء .

وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم ، وداود وغيره من أهل الظاهر أنهم قالوا : إن قضى متفرقا لم يجزه ؛ تعلقا بقوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] وهذا أمر يلزم المبادرة به ، وبما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان عليه شيء من صوم رمضان فليسرده ولا يفرقه " قالوا : ولأن القضاء في كل عبادة مثل الأداء ثم تقرر أن التتابع شرط في أداء رمضان فكذلك في قضائه ، ودليلنا قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] ، ففي أي زمان قضي كان ممتثلا للأمر ، فإن قيل : فهذا أمر والأمر على الفور لا على التراخي ، قلنا لنا فيه مذهبان :

أحدهما : أنه على التراخي ، فلم يلزمنا هذا السؤال .

والثاني : أنه على الفور لكن قام دليل على التراخي ، وفي قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] ، دليل على جواز التراخي ؛ لأن تقديره فعدة في أيام أخر وروى عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان عليه شيء من رمضان . فإن شاء صامه متتابعا ، وإن شاء صامه متفرقا " وروى أبو الزبير عن جابر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقطيع قضاء رمضان قال : " أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه بالدرهم والدرهمين أما كان قد قضى دينه " فقال : نعم ، الله أحق أن يغفر ولأن القضاء في كل عبادة مثل الأداء ثم تقرر أن التتابع ليس من شرط الأداء ؛ لأنه لو أفطر يوما من الشهر لم يبطل ما يليه من الطرفين ، فكذلك القضاء فأما الآية فدليلنا ، وأما حديث أبي هريرة إن صح فمحمول على الاستحباب ، فأما الاستدلال فقد قلبناه عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية