الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما المباشرة في غير الفرج فضربان :

أحدهما : الشهوة .

والثاني : لغير شهوة فإن كان لغير شهوة ، كأن مس بدنها لعارض ، وقبلها عند قدومها من سفر غير قاصد للذة ، فهذا غير ممنوع ، ولا مؤثر في الاعتكاف لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن بدنها قد مس بدنه ، وإن كان لشهوة كأن قبلها ، أو لمسها لشهوة أو وطئها دون الفرج ، فهذا ممنوع منه لا يختلف لقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] ، فإن فعله ناسيا فلا شيء عليه ، وهو على اعتكافه ، وإن فعله عامدا ففي اعتكافه قولان :

أحدهما : جائز أنزل أم لم ينزل ، ووجهه أنها عبادة تتعلق بمكان مخصوص ، فوجب أن لا تبطلها المباشرة فيما دون الفرج كالحج ، ولأن كل عبادة حرم فيها الوطء ، يدرأ منه كان للوطء مزية ، واختص بالتغليظ دون غيره كالحج والصوم والحد فلو بطل الاعتكاف بالمباشرة كما بطل بالوطء ، كان في ذلك تسوية بين حكم المباشرة والوطء ، وهذا خلاف الأصول .

والقول الثاني : أن اعتكافه قد بطل أنزل أو لم ينزل ، ووجهه أنها مباشرة محرمة في الاعتكاف فوجب أن تبطله كالوطء ، ولأنها عبادة تختص بمكان فوجب أن يكون للمباشرة فيها تأثير كالحج فإن قيل : فلم كان كـ " الصوم " . لا يبطل بالإنزال ؟ قيل : قد كان بعض أصحابنا يخرج قولا ثالثا يجمع فيه بين الصوم والاعتكاف أنه يبطل إن أنزل ، ولا يبطل إن لم ينزل ، وذهب جمهورهم إلى المنع من هذا التخريج ، وجعلوا الفرق بينهما ، أن المباشرة في [ ص: 500 ] الاعتكاف حرام ، وفي الصوم حلال فلما افترقا في التحريم جاز أن يفترقا في الإفساد ، وفي المسألة لأصحابنا طرق ، وهذا أصحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية