الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والاستطاعة الثالثة : أن يكون مستطيعا بماله معضوبا في بدنه ، لا يقدر أن يثبت على مركب لضعفه وزمانته ، ففرض الحج عليه واجب ، وعليه أن يستأجر من يحج عنه ، إذا كان فرضه غير مرجو وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن التابعين الحسن البصري رحمه الله ، ومن الفقهاء الثوري وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة إن قدر على [ ص: 9 ] الحج قبل زمانته لزمه الحج ، وإن لم يقدر عليه ، وقال مالك لا حج عليه بحال ولا يجوز أن يستأجر من يحج عنه في حال حياته ، فإن أوصى أن يحج عنه بعد وفاته جاز ، واستدل بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، وفعل غيره ليس من سعيه ، وبقوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ آل عمران : 97 ] ، والمعضوب لا يستطيع السبيل إليه ، قال : ولأن كل عبادة لا تصح النيابة فيها مع القدرة لا تصح النيابة فيها مع العجز كالصيام والصلاة ودليلنا ما روي عن ابن عمر أن رجلا قام عند نزول قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ آل عمران : 97 ] ، فقال يا رسول الله ما السبيل ؟ فقال : زاد وراحلة . فصار وجوب الحج متعلقا بوجود الزاد والراحلة .

وروى سلمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم ، قالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة فهل ترى أن أحج عنه ، قال : نعم . قالت : أوينفعه ذاك ، فقال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى . وفي هذا الحديث دليل على وجوب الحج عليه ، وعلى جواز النيابة عنه ولأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة ، فوجب أن يجب على المعضوب كالصيام ، فأما الجواب عن قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ، فقد وجد من المعضوب السعي ، وهو بذل المال ، والاستئجار ، وأما قيامه على الصلاة ، فالمعنى فيها : أنها لا تدخلها النيابة بحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية