الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ويصوم السبعة إذا رجع إلى أهله " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن على المتمتع إذا كان معسرا صيام عشرة أيام لقوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ البقرة : 196 ] ، وذكرنا وقت صيام الثلاثة ، فأما وقت صيام السبعة فقد اختلف قول الشافعي فيه على قولين :

أحدهما : وهو نصه هاهنا وفي " الأم أنه يصومها إذا رجع إلى أهله واستقر في بلده .

[ ص: 56 ] وبه قال من الصحابة عمر وابن عمر رضي الله عنهما ومن التابعين سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب .

ومن الفقهاء سفيان الثوري وأحمد وإسحاق .

والقول الثاني : وهو نصه في الإملاء أنه يصومها إذا رجع من حجه " بعد كمال مناسكه ، واختلف أصحابنا في ذلك لاحتمال كلامه فذهب أصحابنا البصريون إلى أن مذهبه في الإملاء أن يصومها إذا أخذ في الخروج من مكة راجعا إلى بلده ، ولا يجوز أن يصوم بمكة قبل خروجه وذهب البغداديون إلى أن مذهبه في الإملاء أن يصومها إذا رجع إلى مكة ، بعد فراغه من مناسكه ، ورميه سواء أقام بمكة أو خرج منها .

وبه قال من الصحاب ابن عباس .

ومن التابعين الحسن وعطاء .

ومن الفقهاء مالك ، وأبو حنيفة استدلالا بقوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ البقرة : 196 ] ، أي : رجعتم عن أفعال الحج : لأنه المذكور في الآية فوجب أن يكون المراد بالرجوع رجوعا عن الحج أي : عن أفعاله ، ولأنه لو كان الرجوع إلى الأهل والوطن شرطا في جواز هذا الصوم لوجب إذا نوى المقامبمكة ، أن لا يجزئه الصيام بها ، وفي إجماعهم على جواز صيامه فيها ، إذا نوى المقام بها دليل على أن الرجوع إلى الأهل ليس بشرط ، ولأن صوم المتمتع إما أن يجب على طريق الجبران ، وهو مذهب الشافعي أو على طريق النسك وهو مذهب أبي حنيفة ، قالوا : وأيهما كان فالواجب ، أن يؤتى به على قولكم قبل السلام ، وعلى قولنا عقيب السلام فهذا وجه قوله في الإملاء " .

وحجة مالك وأبي حنيفة أن يصومها إذا رجع إلى أهله واستقر ببلده ، والدلالة على ذلك قوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، [ البقرة : 196 ] ، فلا يخلو إما أن يكون المراد بالرجوع ما ذكروا من الرجوع عن أفعال الحج المذكور في الآية ، أو يكون المراد به الرجوع إلى الموضع الذي خرج منه فبطل ، أن يكون المراد به الرجوع عن أفعال الحج لأن المراد بالحج وقت الحج ، دون أفعاله لقوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام في الحج [ البقرة : 196 ] ، والصوم إنما يكون في وقت الحج ، لا في أفعاله فثبت أن المراد به الرجوع ، إلى موضعه الذي خرج منه وروى مجاهد عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة فمن ساق الهدي فليدع ومن لم يسق الهدي فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وهذا نص ، ولأن الرجوع إذا أطلق فيمن خرج عن أهله اقتضى رجوعا إليهم لأن الرجوع في الحقيقة رجوع [ ص: 57 ] إلى المكان الذي خرج منه ألا تراهم يقولون خرج زيد ثم رجع فيريدون به الرجوع إلى الموضع الذي كان منه ابتدأ الخروج ، ولأن الغالب من أمر الحاج أنهم ينشئون السفر عند الفراغ وقد سامح الله المسافر بالإفطار في الصوم الذي وجب فرضه عليه ، فكيف يجوز أن يبتدئ إيجاب فرض عليه في الوقت الذي سامحه في ترك ما فرض عليه ، فأما إذا نوى الإقامة قائما ، وجاز أن يصوم بها لأنها صارت له وطنا كالعائد إلى وطنه ، ألا تراه قبل نية مقامه يجوز أن يقصر ويفطر ، ولا يجوز ذلك له بعد نية مقامه كالمستوطن .

فأما قولهم إنه جبران كسجود السهو قيل : إنما يلزم تعجيل الجبران في أثناء العبادة ، أو عقيبها إذا فات الجبران بتأخيره كسجود السهو فأما لم يكن في تأخيره تفويته فصوم التمتع لا يفوت بتأخيره فلم يلزم تعجيله .

التالي السابق


الخدمات العلمية