الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : إذا ثبت أن التفرقة بينهما بما ذكرنا واجبة ، فتابع بين صيامها ووصل السبعة بالثلاثة ، أجزأه من ذلك صيام الثلاثة ، فأما صيام السبعة فلا يجزئه : لأن فيها ما استحق فطره عنها ، والحكم فيها أن يسقط منها قدر ما يستحق من التفرقة ، على الأقاويل الماضية ، فإن لم يبق من السبعة شيء لم يحسب له شيء منها ، ووجب عليه أن يستأنف صيام سبعة أيام بعد أن يكمل زمان التفرقة ، وإن بقي منها شيء أما ستة أيام إذا قيل : إن الواجب أن يفرق بينها بيوم أو ثلاثة أيام ، إذا قيل : إن الواجب أن يفرق بينها بأربعة أيام فطر في حاله ، فإن كان لم يفطر احتسب له ما بقي من السبعة بعد التفرقة ، ووجب عليه أن يتمم صيام ما بقي من السبعة ، وإن كان قد أفطر ، فهل يحتسب له بصيام ما بقي من السبعة أم لا ؟ على وجهين مبنيين على اختلاف الوجهين في وجوب المتابعة من صيامها :

أحدهما : يحتسب له ما بقي منها ، إذا قيل : إن المتابعة غير واجبة ، ويتم صيام السبعة ويجزئه .

والوجه الثاني : لا يحتسب له بما بقي إذا قيل إن المتابعة واجبة وعليه أن يستأنف صيام السبعة ، وهذا الكلام في السبعة ، فأما الثلاثة : فتجزئه على مذهب الشافعي وسائر أصحابه ، إلا أبا سعيد الإصطخري فإنه قال : إن نوى التتابع بعد صيام الثلاثة أجزأته الثلاثة ؟ لقول الشافعي ، ويكون الكلام في السبعة على ما مضى ، وإن نوى التتابع في صيام الثلاثة وعند دخوله فيها ، لم تجزه الثلاثة ولا السبعة ، ولزمه استئناف الجميع ، ويكون فساد نيته قادحا في صومه ، وهذا الذي قاله غلط فاحش ؟ لأمرين :

أحدهما : أن تفريق الصوم ومتابعته إنما يكون بالفعل لا بالنية ، فلو فرق صيامه ولم ينو كان مفرقا ، ولو تابع ولم ينو كان متابعا ، وإذا لم تكن النية شرطا في صحة التفرقة ، لم تكن نية المتابعة قادحة في صحة الصوم مع وجود التفرقة .

والثاني : أن طروء الفساد على صوم بعض الأيام ، لا يقتضي فساد الصوم في غيره من الأيام ، فصوم رمضان ، إذا أفطر في بعضه ، لأن لكل يوم حكم نفسه ، وإذا كان كذلك ، لم يكن فساد صوم السبعة قادحا في صحة صوم الثلاثة .

[ ص: 60 ] فإن قيل : في الأيام التي أسقطتموها من صومه لأجل التفريق ، لم يكن فيها مفطرا وكيف يصح أن يكون بين الصومين مفرقا ؟

قيل الواجب هو التفرقة بين الصومين لا الفطر بينهما ، فإذا فرق بينهما أجزأه ، سواء كان في زمان التفرقة صائما أو مفطرا ألا ترى أنه لو كان مؤديا لهذا الصوم في زمانه فصام الثلاثة في الحج وأراد أن يصوم السبعة إذا رجع إلى بلده ، فصام في طريقه فرضا أو تطوعا . حتى وصل إلى بلده ، ثم عقبه بصوم السبعة عن تمتعه أجزأه ، وإذا كان ذلك مجزءا في الأداء كان مجزءا في القضاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية