الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن مات بعد الفراغ من أركان الحج ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون موسرا يكفر بالدم ، فالدم في ماله واجب ، قولا واحدا : لأن وجوب الدم قد استقر بكمال الحج وما استقر وجوبه من حقوق الأموال لم يسقط بالموت كالديون والزكوات .

والضرب الثاني : أن يكون معسرا ، يكفر بالصوم ، فهذا على ضربين :

[ ص: 61 ] أحدهما : أن يكون موته قبل دخول زمان الصوم ، كأنه مات قبل رجوعه إلى وطنه ، على قوله الجديد ، أو قبل خروجه من مكة على قوله في القديم ففيهما قولان حكاهما الربيع :

أحدهما : أن الدم دين عليه : لأن بتمتعه قد وجبت الكفارة ، وبموته قبل زمان الصوم بطل أن يكون الصوم واجبا عليه في الكفارة ، فثبت أن الدم هو الذي وجب عليه ، فيقضى عنه الدم بعد موته من بيع عروضه التي لم يكن يلزمه بيعها في حياته .

والقول الثاني وهو أصح : لا شيء عليه : لأن الدم باعتباره لم يجب عليه ، والصوم بموته قبل دخول وقته لم يلزمه ، فلم يجز أن يلزمه بعد موته ما لم يكن لازما له في حياته .

والضرب الثاني : أن يكون موته بعد دخوله زمان الصوم ، كأن مات بعد رجوعه إلى وطنه ، فلا يجب عليه الدم ، لا يختلف : لأن وجوب الصوم قد استقر بدخوله زمانه ، والدم لم يجب لتعذر إمكانه ، وإذا كان كذلك لم يجب أن يصام عنه ، لأنه النيابة في الصوم ، لا تصح ، لكن ينظر فإن مات قبل إمكان الصوم فلا شيء عليه ، كما لو كان عليه أياما من رمضان ، فمات قبل إمكان صيامها ، وإن مات بعد إمكان الصيام ، فالواجب عليه بدلا عن كل يوم مد من حنطة ، كما لو كان عليه أياما من رمضان ، فمات بعد إمكان قضائها ، ولرواية عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام أطعم عنه وليه عن كل يوم مدا ، فلو مات وقد أمكنه صيام بعضها دون بعض ، لزم عما أمكن صيامه مد عن كل يوم ، ولم يلزمه عما لم يكن صيامه شيء ، فإذا وجبت هذه الأمداد بدلا عما قدر عليه من الصيام ، ففيها قولان :

أحدهما : أن الواجب أن يفرق في مساكين الحرم ، فإن فرق في مساكين غير الحرم لم يجزه ، لأنه مال وجب بالإحرام ، فوجب أن يستحقه أهل الحرم كالدم .

والقول الثاني : أن الأولى أن يفرق في مساكين الحرم ، فإن فرق في غيرهم جاز ، لأن الإطعام بدل من الصوم الذي لا يختص بالحرم دون غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية