الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والدباغة لا تفتقر إلى فعل فاعل ؛ لأن ما طريقه إزالة النجاسة لا يفتقر إلى فعل ، كالسيل إذا مر بنجاسة فأزالها طهر محلها ، ولذلك لم تفتقر إزالتها إلى نية بخلاف الحدث ، فعلى هذا لو أطارت الريح جلد ميتة وألقته في المدبغة فاندبغ صار طاهرا ، فأما إن أخذ رجل جلد ميتة غيره فدبغه فقد اختلف أصحابنا : هل يكون ملكا لربه أو لدابغه ؟ على ثلاثة مذاهب :

[ ص: 65 ] أحدها : يكون ملكا لربه دون دابغه كالخمر المنقلب خلا في يد أحدهم يكون ملكه لربه دون من صار خلا في يده .

والوجه الثاني : يكون ملكا لدابغه دون ربه كالمحيي أرضا مواتا بعد إجازة غيره يكون ملكا لمن أحياها دون من أجازها .

والوجه الثالث : أنه كان رب الجلد قد رفع يده عنه فأخذه الدابغ فدبغه كان ملكا لدابغه دون ربه ، وإن كانت يده عليه فغصبه إياه كان ملكا لربه دون دابغه ، وإنما كان كذلك لأن جلد الميتة لا يوصف بثبوت الملك عليه ، وإنما يوصف بثبوت اليد عليه ، فإذا رفع يده زالت صفة استحقاقه .

فإذا ثبت ما وصفنا من طهارة جلد الميتة بالدباغة ، تعلق الكلام بفصلين :

أحدهما : بيان حكمه قبل الدباغة .

والثاني : بيان حكمه بعد الدباغة .

فأما ما قبل الدباغة فيجوز استعماله في اليابسات دون الذائبات ويجوز هبته ، ولا يجوز بيعه ، ولا رهنه . وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه ورهنه استدلالا بأن ما أمكن تطهيره بعد نجاسته جاز بيعه كالثوب النجس .

ودليلنا عموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] . لأن الأعيان النجسة لا يجوز بيعها كالعذرة .

وأما الثوب فهو طاهر العين وإنما جاورته النجاسة فجاز بيعه لأن العذرة تتناول عينا ظاهرة وإن جاورتها نجاسة وكذلك الجلد الطاهر إذا جاورته نجاسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية