الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 96 ] باب ما يجتنبه المحرم من الطيب ولبس الثياب

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يلبس المحرم قميصا ولا عمامة ولا برنسا ولا خفين إلا أن لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين وإن لم يجد إزارا لبس سراويل . لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله " .

قال الماوردي : والأصل في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الإحرام خالف معهوده في لبسه . فسئل عما يلبسه المحرم ، فروى الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرم فقال : " لا يلبس المحرم القميص ، ولا السراويل ، ولا العمامة ، ولا البرنس ، ولا الخفين ، إلا أن لا يجد النعلين ، فمن لم يجد النعلين ، فليلبس الخفين ويقطعهما ، حتى يكونا أسفل من الكعبين " . وروى نافع عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم القميص ، والأقبية ، والخفين ، والسراويلات ، أو يلبس ثوبا فيه ورس ، أو زعفران " .

فإن قيل : فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم ؟ فأجاب بما لا يلبس ، وذلك لا يكون جوابا لسؤالهم .

قيل : عنه جوابان :

أحدهما : أن السائل أخطأ في سؤاله لأن أصل اللباس على الإباحة وإنما كان ينبغي أن يسأله عما لا يلبس : لأن الحظر طارئ ، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان ينبغي أن يسأل عنه ليعلمه أنه قد أخطأ في سؤاله ، ويخبره حكم ما جهله .

والجواب الثاني : أن ما يجوز له لبسه أكثر فما حظر عليه ، وفي ذكر جميعه إطالة ، فذكر ما حظر عليه ، ليستدل به على إباحة ما سواه .

فإذا ثبت هذا ، فقد نص على القميص والقباء ونبه على الجبة ، والدراعة ، ونص على السراويل ، ونبه على التبان ، ونص على البرنس ، ونبه على العمامة ، وجملة ذلك أنه لا يجوز أن يلبس في رأسه مخيطا ، ولا غيره من عمامة ، أو منديل ، ولا ثوب ، ولا رداء ، ولا يجوز أن يلبس في بدنه ما يلبس مخيطا ، كالقميص ، والجبة ، والقباء ، والصدرة ، [ ص: 97 ] والسراويل ، والتبان ، ويجوز أن يلبس في بدنه ما يلبس غير مخيط ، كالمئزر والرداء والإزار والكساء لأن المخيط يحفظ نفسه فمنع منه ، وغير المخيط لا يحفظ نفسه فلم يمنع منه .

فإن قيل فلم يمنع من لبس ما يحفظ نفسه من المخيط ولم يمنع من لبس ما لا يحفظ نفسه من غير المخيط .

قيل : لأن ما لا يحفظ نفسه يبعثه على مراعاته ، فيتذكر بذلك ما هو عليه من إحرامه ، فيتجنب ما أمر باجتنابه ، فعلى هذا لو ارتدى بالقميص ، واتزر بالسراويل ، جاز : لأنه لا يحفظ نفسه ، وكذا الطيلسان ، له أن يلبسه ما لم يزره ، لأنه لا يحفظ نفسه ، فإن زره عليه لم يجز أن يلبسه لأنه يحفظ نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية