الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة من الحدث وغسل النجس " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : الطهارة في الطواف واجبة ، وهي شرط في صحة طهارة الأحداث وإزالة الأنجاس ، فإن طاف محدثا أو نجسا ، لم يجزه ، وبه قال مالك وأكثر الفقهاء . وقال أبو حنيفة : طهارة الحدث وإزالة النجس واجبة في الطواف ، وليست شرطا في صحته ، فإن طاف محدثا أو جنبا أو نجسا فإن كان بمكة أعاد طوافه ، وإن رجع إلى بلده أجزأ عن فرضه ، ولزمه دم لجبرانه ، وربما ارتاب أصحابه أن الطهارة ليست بواجبة ، ليسوغ لهم الاستدلال تعلقا بقوله تعالى : وليطوفوا بالبيت العتيق [ الحج : 29 ] ، واسم الطواف يتناوله وإن كان محدثا ، فوجب أن يتناول الاسم له محرما ، ولأنه ركن من أركان الحج ، فوجب أن لا تكون الطهارة من شرطه ، كالسعي والوقوف ، ولأنها عبادة ليس ترك الكلام [ ص: 145 ] شرطا فيها ، فوجب أن لا تكون الطهارة شرطا فيها كالصوم طردا ، والصلاة عكسا ، ولأن للحج أركانا ومناسك ، وليست الطهارة واجبة في واحد منهما ، فوجب أن يكون الطواف لاحقا بأحدهما .

والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ ثم طاف . وفعله في الحج بيان تؤخذ منه المناسك والأركان ، لقوله - صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وروى طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بالخير " . والدلالة فيه من وجهين :

أحدهما : أنه سمى الطواف صلاة ، وهو لا يضع الأسماء اللغوية ، وإنما يكسبها أحكاما شرعية ، وإذا ثبت أنها في الشرع صلاة ، لم تجز إلا بطهارة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة إلا بطهور " .

والثاني : أنه جعل الطواف صلاة ، واستثنى من أحكامها الكلام ، فلو كان الطواف صلاة في معنى دون معنى لم يكن للاستثناء حكم واحد من جملة أحكامها معنى ، ولأنها عبادة تجب فيها الطهارة ، فوجب أن لا يسقط فرضها بغير طهارة ، كالصلاة ، ولأن كل من لا يصح منه فعل الصلاة ، لا يصح منه فعل الطواف ، كالمحدث إذا كان مقيما بمكة ، ولأنه طهارة واجبة ، فوجب أن لا تجبر بدم ، كالطهارة للصلاة ، فأما الآية فلا يصح الاستدلال بها : لأن الطواف بغير طهارة مكروه ، والأمر لا يجوز أن يتناول المكروه ، على أنها مجملة أخذ بيانها من فعله صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يطف إلا بطهارة وأما قياسهم على السعي والوقوف ، فالمعنى فيه أن الطهارة لما لم تكن واجبة في السعي والوقوف ، لم تكن شرطا في صحة السعي والوقوف ، ولما كانت الطهارة واجبة في الطواف ، كانت شرطا في صحة الطواف ، وبمثله يكون الجواب من قياسهم على الصيام في الطرد .

وأما قولهم : إن الطواف لا يخلو أن يكون لاحقا بالأركان أو بالمناسك .

قلنا : ليس بلاحق بواحد منهما ، لأن الطهارة تجب له ولا تجب لواحد منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية