الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن أحرم بالعمرة ، وتحلل منها ، ثم وطئ بعدها ، ثم أحرم بالحج وتحلل منه ، ثم تيقن أنه كان محدثا في أحد طوافيه ، إما في العمرة أو في الحج ، فعليه طواف وسعي ، وهل يجب عليه دم مع الطواف والسعي أم لا ؟ على وجهين . وإنما كان كذلك ، لأنه قد يجوز أن يكون محدثا في طواف العمرة ، فلم يعتد بطوافه وسعيه فيها ، ولزمه دم لحلقه ، لأنه حلق لم يتحلل به ، ثم وطئ وهو باق على إحرامه بالعمرة ، فأفسد عمرته ولزمه قضاؤها . وبدنه ، لإفسادها ، ثم أحرم بعد ذلك بالحج وطاف وسعى فيه .

وقد اختلف أصحابنا ، فيمن أدخل حجا على عمرة فأفسدها . هل يصير قارنا أم لا على وجهين :

أحدهما : لا يكون قارنا ، ويكون إحرامه بالحج باطلا ، لكن يكون طوافه وسعيه في الحج ، نائبا عن طوافه وسعيه في العمرة ، وقد يتحلل منها .

والوجه الثاني : يكون قارنا ، فعلى هذا طوافه وسعيه في الحج ، يجزئه عن الحج والعمرة ، ويلزمه قضاء العمرة ، وهل يلزمه قضاء الحج أم لا ؟ على وجهين فعلى هذا التنزيل ، قد لزمه قضاء العمرة وقضاء الحج ، على أحد الوجهين ، وبدنة للوطء ، ودم للحلق ، ودم للقران ، على أحد الوجهين ، فهذا حكمه إن كان محدثا في طوافه للعمرة ، وقد يجوز أن يكون محدثا في طواف الحج ، فعلى هذا قد سلمت العمرة ، وخرج منها خروجا [ ص: 147 ] صحيحا ، ووطئ قبل إحرامه بالحج ، فلم يكن لوطئه في الحج تأثير ، ثم طاف في الحج محدثا ، فلم يعتد بطوافه وسعيه ، فعلى هذا التنزيل ، يصير متمتعا ، فعليه أن يطوف ويسعى ، وعليه دم لتمتعه ، فعلى هذا التنزيل ، يجب عليه طواف وسعي ، ليكون متحللا من إحرامه بيقين ، وهل عليه دم أم لا ؟ على وجهين : إن قلنا : إنه يصير قارنا بإدخال الحج على عمرة فاسدة ، فعليه دم ، لأنه يتردد بين أن يكون قارنا فيلزمه دم وبين أن يكون متمتعا ، فيلزمه دم ، فكان وجوب الدم عليه يقينا على هذا الوجه .

وإن قلنا : إنه لا يكون قارنا بإدخال الحج على عمرة فاسدة ، فلا دم عليه : لأنه تردد بين أن يكون متمتعا فيلزمه دم ، وبين أن يكون معتمرا ، فلا يلزمه دم : لأن الدم لا يجب بالشك ، فأما قضاء الحج والعمرة ووجوب كفارة الوطء فلا يجب بحال لأنه قد يتردد بين أن تجب وبين أن لا تجب وبالشك فلا تجب فأما إجزاء الحج والعمرة عن فرض الإسلام ، فالعمرة لا تجزئ عن عمرة الإسلام : لأنها قد تتردد بين أن تكون عارية عن الفساد ، فتجزئ ، وبين أن تكون فاسدة ، فلا تجزئ ، وفرض العمرة مع الشك لا يسقط ، وأما الحج ، ففي إجزائه عن حجة الإسلام وجهان مبنيان على اختلاف الوجهين هل يكون قارنا أم لا ؟ ثم على اختلاف الوجهين ، إذا صار قارنا . هل يلزمه قضاء الحج أم لا ؟ فإن قلنا : لا يكون قارنا ، لم يجزه فرض الحج : لأنه قد تردد بين أن يكون قد أحرم بالحج أم لا ، وأن يكون قارنا . فإن قلنا : إن من أدخل الحج على عمرة فاسدة ، لزمه قضاء العمرة والحج لزمه حجة الإسلام ، لأنه قد يتردد بين أن يكون قد حج حجا صحيحا ، وبين أن يكون قد حج حجا فاسدا ، فلذلك لم يجز . وإن قلنا : إن من أدخل الحج على عمرة فاسدة لم يلزمه قضاء الحج ، فقد أجزأه ذلك عن حجة الإسلام : لأنه قد يتردد بين أن يكون قارنا فيصح حجه ، وبين أن يكون متمتعا فقد صح حجه ، فيكون فرض الحج على هذا الوجه ساقط بيقين ، فهذا الكلام في وجوب الطهارة وما يتفرع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية