الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن أحدث توضأ وابتدأ فإن بنى على طوافه أجزأه " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن الطواف لا يجزئ إلا بطهارة من حدث ونجس ، فإن أحدث في طوافه ، أو حصلت على بدنه أو ثوبه نجاسة ، لم يجزه البناء ، وعليه أن يخرج من طوافه ويتطهر .

قال الشافعي : فإن حصلت في نعله نجاسة وهو في الطواف خلعها ، فإن لم يخلعها ومضى في طوافه لم يجزه : لأن استدامة الطهارة واجبة في جميعه ، فإذا ثبت أن عليه الخروج من طوافه للطهارة ، فخرج وتطهر ثم عاد . فإن كان الزمان قريبا بنى على الماضي من طوافه وأجزأه ، لأنه يسير التفريق في الطواف مباح ، لإجماعهم على إباحة جلوسه للاستراحة . وإن كان الزمان بعيدا ، ففي جواز البناء قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم : يستأنف ولا يبني : لأنها عبادة من شرط صحتها الطهارة ، فوجب أن يكون من شرط صحتها الموالاة كالصلاة .

والقول الثاني : قاله في الجديد : يبني ولا يستأنف : لأنها عبادة تصح مع التفريق اليسير ، فوجب أن يصح مع التفريق الكثير ، كسائر أفعال الحج طردا والصلاة عكسا ، وسواء كان الحدث منه سهوا أو عمدا .

فإذا قلنا : يستأنف ألغى ما مضى وابتدأ به مستأنفا .

وإذا قلنا : يبني ، نظر . فإن كان خروجه من الطواف عند إكماله طوفته عند الحجر الأسود ، عاد فابتدأ بالطوفة التي تليها من الحجر . وإن كان قد خرج في بعض طوفته قبل انتهائه إلى الحجر الأسود ، فعلى وجهين :

أحدهما : يستأنفها من أولها ولا يبني على ما مضى منها : لأن التفريق بين أعداد الأطواف جائز : لأن لكل طوفة حكم نفسها ، وليس كذلك الطوفة الواحدة ، لا يستوي حكم جميعها ، فجاز أن يبني على أعدادها ، ولم يجز أن يبني على أبعاض آحادها .

والوجه الثاني : وهو أصح يبني على ما مضى منها : لأنه لما استوى حكم التفريق اليسير في الطوفة الواحدة والأطواف ، وجب أن يستوي حكم التفريق الكثير في الطوفة الواحدة والأطواف ، وكذلك حكم الخارج من طوافه لحاجة ، كحكم الخارج من طوافه لحدث فإذا أعاد ليبني كان على ما مضى .

التالي السابق


الخدمات العلمية