الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام فيقرأ في الأولى بأم القرآن ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية بأم القرآن ، وقل هو الله أحد .

قال الماوردي : وهذا كما قال : هذا إذا أكمل الطائف طوافه سبعا صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ، يقول فيهما بما ذكره الشافعي لرواية جعفر بن محمد عن أبيه جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا ، وصلى عند المقام ركعتين وقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] وقد علق الشافعي القول في هاتين الركعتين فخرجهما أصحابنا على قولين :

أحدهما : إنهما واجبتان : لقوله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] ، يعني صلاة ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهما ، فعله إما أن يكون بيانا أو ابتداء شرع ، وأيهما كان دل على الوجوب .

والقول الثاني : إنهما مستحبان : لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال هل علي غيرها قال : لا إلا أن تتطوع ، فجعل ما سوى الخمس تطوعا .

وروى ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من طاف أسبوعا وصلى ركعتين كان له كعدل رقبة " وأخرجه مخرج الفضل ، وجعل له ثوابه محدودا فدل على أنه تطوع : لأن الواجب غير محدود الثواب .

[ ص: 154 ] فإذا قلنا : إن ذلك مستحب فصلاهما جالسا مع القدرة على القيام أجزأ كسائر السنن والنوافل ، وإذا قلنا إن ذلك واجب فإن صلاهما جالسا مع العجز عن القيام أجزأه ، وإن كان مع القدرة على القيام فعلى وجهين :

أحدهما : لا يجزئه لرواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ثم نزل فصلى خلف المقام ، فلو جاز فعلهما جالسا لأجزأه فعلهما راكبا ، فلما نزل وصلاهما على الأرض دل على أن فرضها القيام كسائر الصلوات الواجبات .

والوجه الثاني : يجزئه : لأنهما من أحكام الطواف وتبعه ، فلما جاز أن يطوف راكبا ومحمولا مع القدرة على المشي ، جاز أن يصلي ركعتي الطواف قاعدا مع القدرة على القيام ، وسواء في ذلك طواف الحج والعمرة وطواف القدوم والزيارة والوداع ، كل ذلك مأمور به في كل طواف .

التالي السابق


الخدمات العلمية