الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت وجوب السعي فمن شرط صحته أن يتقدمه الطواف ، وهو إجماع ليس يعرف فيه خلاف بين الفقهاء ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسع قط إلا عقيب طواف ، وقد طاف ولم يسع بعده ، ولو جاز السعي من غير أن يتقدمه طواف لفعله ولو مرة ؛ ليدل به على الجواز ، ولأن الطواف بالبيت نسك لا يقع إلا لله عز وجل فجاز فعله متفردا ، والسعي بين الصفا والمروة قد يفعل لله عز وجل ولغير الله عز وجل وهو أن يسعى بينهما في حاجة عارضة أو أمر سانح ، فافتقر إلى طواف يتقدمه ؛ ليمتاز عما لغير الله ، ويكون خالصا ، فإذا ثبت أن من شرط صحته تقدم الطواف عليه ، فقد اختلف أصحابنا في جواز التراخي بينهما على قولين :

أحدهما : وهو قول أصحابنا البغداديين ، أن التراخي بينهما يجوز ، فإن سعى بعد طوافه بيوم أو شهر أجزأ : لأن كل واحد منهما ركن ، والموالاة بين أركان الحج لا تجب كالوقوف والطواف .

والوجه الثاني : وهو قول أصحابنا البصريين أن التراخي البعيد بينهما غير جائز ، وأن فعل السعي على الفور شرط في صحته ، وإن بعد ما بينهما لم يجزه : لأن السعي لما افتقر إلى تقدم الطواف عليه ؛ ليمتاز عما لغير الله تعالى ، افتقر إلى فعله على الفور ؛ ليقع به الامتياز [ ص: 158 ] عما لغير الله تعالى : لأن الامتياز يوجد بفعله على الفور ، ولا يوجد بفعله على التراخي ، فأما الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة فليست شرطا في السعي ، فإن كانت شرطا في الطواف : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : " افعلي ما يفعل الحاج غير أنك لا تطوفي بالبيت ، فخص الطواف بالنهي ، فعلم أن السعي غير داخل في النهي ، لكن الأولى أن يكون طاهر الأعضاء من الحدث والنجس .

التالي السابق


الخدمات العلمية