الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، فمتى حصل بها في هذا الزمان مقيما أو مختارا نائما أو مستيقظا ، عالما أو غير عالم ، من ليل أو نهار ، فقد حصل له الوقوف بعرفة ، وأدرك به الحج .

وقال مالك : إدراك الوقوف بعرفة يعتبر بالليل دون النهار ، فإن وقف بها ليلا ونهارا أجزأه وقوف الليل ، وكان وقوف النهار تبعا ، وإن وقف بها ليلا أجزأه ، وإن وقف بها نهارا لم يجزه [ ص: 173 ] استدلالا برواية ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أدرك عرفة ليلا فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفة ليلا ، فقد فاته الحج .

والدلالة على صحة ما قلنا رواية عامر ، عن عروة بن مضرس ، أنه حج فلم يدرك الناس إلا ليلا فجمع ، فانطلق إلى عرفات ، فأفاض منها ثم رجع إلى جمع ، فأتى رسول صلى الله عليه وسلم فقال : أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، فهل لي من حج ، فقال : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ، ووقف معنا حتى يفيض وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا كان أو نهارا ، فقد قضى تفثه ، وتم حجه ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد الموقف نهارا ، وانصرف منه ليلا ، فجعل النهار وقتا للوقوف ، وجعل الليل وقتا لترك الوقوف ، فعلم أن النهار مقصود ، والليل تبع .

فأما حديث ابن عمر ، ففيه دليل على إدراك الليل ، وتنبيه على إدراك النهار ؛ ولأن حكم آخر الوقت ، إما أن يكون مثل أوله أو أضعف ، ولا يجوز أن يكون أقوى منه فلما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مدركا بآخره ، وهو الليل ، كان أولى أن يكون مدركا بأوله وهو النهار .

فإن قيل : فهذا يصح في قوله " من أدرك عرفة ليلا ، فقد أدرك الحج " فأما في قوله " ومن فاته عرفة ليلا فقد فاته الحج " فلا ، قيل يكون دليل أول الكلام تنبيهة يصرف ظاهر آخره إلى دليل أوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية