الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن تدارك عليه رميان في أيام منى ابتدأ الأول حتى يكمل ، ثم عاد فابتدأ الآخر ، ولم يجزه أن يرمي بأربع عشرة حصاة في مقام واحد " .

[ ص: 202 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا تدارك عليه رمي يومين كالرعاة وأهل السقاية إذا تركوا رمي الحادي عشر وأرادوا الرمي في الثاني عشر ، وكمن ترك الرمي عامدا أو ناسيا في الحادي عشر وجوزنا له القضاء على أحد القولين في الثاني عشر أو تدارك عليه رمي ثلاثة أيام ، وذلك أن يترك رمي الحادي عشر والثاني عشر ويريد القضاء في الثالث عشر ، فينبغي له أن يرتب فيبدأ برمي اليوم الأول ثم يرمي اليوم الثاني ، ثم يرمي اليوم الثالث ؛ ليكون مرتبا كرميه في أيامه وفي هذا الترتيب قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم والأم : إنه واجب .

والثاني : وهو قوله في الإملاء : إنه مستحب ، وليس بواجب : وهذان القولان مبنيان على اختلاف قوليه إذا رمى عن اليوم الأول في اليوم الثاني هل يكون أداء أو قضاء فأحد قوليه يكون أداء ، فعلى هذا الترتيب واجب كصلاتي الجمع ؛ لما كانتا إذا وجب الترتيب ، والثاني : فيهما يكون قضاء فعلى هذا الترتيب مستحب وغير واجب كالصلوات الفوائت لما كانت قضاء لم يجب الترتيب فيها ، فإذا قلنا : إن الترتيب غير واجب وهو أظهر القولين عندي ؛ لأن الترتيب إنما يجب في أحد موضعين إما بين أشياء مختلفة كالجمار الثلاث وكالأعضاء في الطهارة ورمي اليومين غير مختلف : لأن رمي الأول كرمي اليوم الثاني ، ويكون واجبا فيما يجب تعيين النية فيه فيصير كالمختلف باختلاف النية فيه وتعيين النية في رمي الجمار غير واجب ، لأن أفعال الحج لا يفتقر كل فعل منها إلى نية ، بل إذا وجب الفعل على الصفة الواجبة أجزأه عن الفرض فعلى هذا القول إذا ابتدأه فرمى عن اليوم الثاني ثم عن اليوم الأول أجزأه عنهما جميعا ، وإذا قلنا : إن الترتيب واجب فخالف فرمى عن اليوم الثاني ، ثم عن اليوم الأول لم يجزه الرمي عن اليوم الثاني لمخالفة الترتيب ، وهل يجزئه عن اليوم الأول على وجهين :

أحدهما : وبه قال أبو إسحاق المروزي لا يجزئه ؛ لأنه وضع قصده في غير موضعه .

والوجه الثاني : أن رمي اليوم الأول يجزئه ، وهو الصحيح ولا أعرف للأول وجها ؛ لأن القصد فيه صحيح وليس وجود ما قبله من الرمي الذي لا يعتد به قادحا في صحته ، كما لو رمى عابثا ؛ ولأن ترتيب الأيام على هذا القول واجب كما أن ترتيب الجمرات واجب ، ثم ثبت أنه لو نكس رمي الجمار اعتد له بالجمرة الأولى ، وكذلك إذا نكس رمي الأيام وجب أن يعتد له باليوم الأول والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية