الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويفعل الصبي في كل أمره ما يفعل الكبير " .

قال الماوردي : أما إحرام الصبي فصحيح ، فإن كان مراهقا صح إحرامه بنفسه ، وإن كان طفلا أحرم عنه وليه ، وكان إحرامه للصبي شرعيا ، وإن فعل الصبي ما يوجب الفدية لزمته الفدية ، وقال أبو حنيفة : إحرام الصبي غير منعقد ، ولا فدية عليه فيما يفعله من المحظورات تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يبلغ " ولأن كل من لم يلزم الحج بقوله لم يلزمه بفعله كالمجنون ؛ ولأنها عبارة عن البدن ، فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير كالصوم والصلاة .

ودليلنا رواية الشافعي عن مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفلتها فقيل لها : هذا رسول الله ، فأخذت بعضد صبي كان معها وقالت : ألهذا حج ؟ قال : " نعم ، ولك أجر " .

وروى الأعمش عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيما صبي حج ثم بلغ فعليه أن يحج حجة الإسلام " فإذا ثبت للصبي حج فوجب أن يكون حجا شرعيا ، وروى أبو الزبير عن جابر قال : " حججنا مع رسول الله ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم " ولأن كل من منع مما يمنع منه المحرم كان محرما ، كالبالغ إذا أحرم عاقلا ثم جن ؛ ولأنها عبادة تجب ابتداء بالشرع عند وجود مال فوجب أن ينوب الولي فيها عن الصغير كصدقة الفطر ، فأما تعلقهم بقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث .

[ ص: 207 ] فالجواب : أن القلم عنه مرفوع ؛ لأن الحج لا يجب عليه ؛ وإنما يصح منه ، فكان القلم له ولم يكن عليه .

وأما قياسهم على المجنون بعلة أنه ممن لا يلزمه الحج بقوله فوجب أن لا يلزمه بفعله بموجب هذه العلة ، وأن الحج لا يلزمه بفعله كما لا يلزمه بقوله ، وإنما يلزمه بإذن وليه ، ثم المعنى في المجنون أن إفاقته مرجوة في كل يوم فلم يجز أن يحرم عنه وليه لجواز أن يفيق فيحرم بنفسه ، وبلوغ الطفل غير مرجو إلا في وقته ، فجاز أن يحرم عنه وليه إذا ليس يرجى أن يبلغ في هذا الوقت فيحرم بنفسه ، هذا مع ما يفترقان فيه من الأحكام فيجوز إذن الصبي في دخول الدار وقبول الهدية منه إذا كان رسولا فيها ، ولا يجوز ذلك من المجنون .

وأما قياسهم على الصلاة بعلة أنها عبادة عن البدن فوجب أن لا ينوب الكبير فيها عن الصغير ، فالمعنى في الصلاة أنه لا يصح فيها النيابة بحال ، فلذلك لم يجز للولي أن يحرم بالصلاة عن الطفل ، ولما كان الحج مما يصح فيه النيابة جاز للولي أن يحرم بالحج عن الطفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية