الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما حكم ما فعله الصبي في حجه من محظورات الإحرام الموجبة للفدية ، فعلى ثلاثة أضرب :

أحدهم : ما استوى حكم عمده وسهوه ، وذلك الحلق والتقليم ، وقتل الصيد فإذا فعله الصبي فالفدية فيه واجبة ، وأين تجب ؟ على وجهين :

[ ص: 211 ] أحدهما : في مال الصبي : لأنه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في ماله ، كما لو استهلك مال غيره .

والوجه الثاني : أن الفدية واجبة في مال الولي ، وقد نص عليه الشافعي في " الإملاء " لأن الولي هو الذي ألزمه الحج بأنه له ، فكان ذلك من جهته ومنسوبا إلى فعله .

والضرب الثاني : ما اختلف حكم عمده وسهوه ، وذلك الطيب واللباس ، فإن فعل الصبي ذلك ناسيا فلا فدية فيه كالبالغ ، وإن فعله عامدا فعلى قولين ، مبنيين على اختلاف قول الشافعي في عمد الصبي ، هل يجري مجرى الخطأ أو يجري مجرى العمد من البالغ العاقل على قولين :

أحدهما : إنه يجري مجرى الخطأ ، فعلى هذا لا فدية فيه كالبالغ الناسي .

والقول الثاني : إنه عمد صحيح ، فعلى هذا الفدية واجبة كالبالغ العامد ، وأين تجب على الوجهين : ولكن لو طيبه الولي كانت الفدية في ماله دون مال الصبي وجها واحدا .

والضرب الثالث : ما اختلف قول الشافعي في عمده وسهوه ، وهو الوطء إن فعله البالغ عامدا أفسد حجه ولزمه الكفارة ، وإن فعله ناسيا فعلى قولين :

أحدهما : كالعمد في إفساد الحج ولزوم الكفارة .

والثاني : لا حكم له ، فعلى هذا وطء الصبي ناسيا كوطء البالغ على قولين : فأما وطء الصبي عامدا ، فإن قلنا : إن عمده عمد صحيح ، فقد أفسد حجه ولزمه إتمامه ، ووجبت الكفارة وأين تجب على الوجهين :

أحدهما : في مال الصبي .

والثاني : في مال الولي ، وإن قلنا : إن عمده يجري مجرى الخطأ كالبالغ الناسي . هل يفسد حجه أم لا ؟ على قولين : فإذا حكمنا بفساد حجه فهل عليه القضاء أم لا ؟ على قولين منصوصين :

أحدهما : لا قضاء عليه : لأن إيجاب القضاء تكليف ، والصبي غير مكلف .

والقول الثاني : عليه القضاء : لأن من لزمه الكفارة بوطئه ، لزمه القضاء بوطئه كالبالغ .

فعلى هذا إذا قيل إن القضاء واجب عليه ، فهل يجزئه أن يقضيه قبل بلوغه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يجوز أن يقضيه حتى يبلغ : لأن القضاء فرض وغير البالغ لا يصح منه أداء الفرض .

والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب الشافعي ومنصوصه : أنه يجوز أن يقضيه قبل بلوغه : [ ص: 212 ] لأنه لما جاز أن يتعلق بذمته فرض القضاء قبل بلوغه ، ولم يكن الصغر مانعا من وجوبه جاز أن يصح منه فعل القضاء قبل بلوغه ، ولا يكون الصغر مانعا من جوازه .

التالي السابق


الخدمات العلمية