الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الدماء التي لم ينص الله تعالى عليها فعلى ثلاثة أقسام :

أحدها : ما وجب لترك نسك .

والثاني : ما وجب لأجل الترفيه .

والثالث : ما وجب لأجل الإتلاف ، فأما ما وجب لترك نسك فثمانية دماء : دم القران ، ودم الفوات ، ودم مجاوزة الميقات ، ودم الدافع من عرفة قبل غروب الشمس ، ودم تارك المبيت بمزدلفة ، ودم تارك رمي الجمار ، ودم تارك المبيت بمنى ، ودم الصادر من مكة بلا وداع ، فهذه ثمانية دماء تجب لترك نسك مأمور به ، فكان حكمها حكم دم التمتع المنصوص عليه في البدل والترتيب : لأنه دم التمتع وجب للترفيه لترك أحد الميقاتين ، فكان مثله كل دم وجب في متروك ، فعلى هذا لا يجزئه في هذا الثمانية إلا دم ما كان قادرا عليه ، فإن لم يقدر عليه صام عشرة أيام .

أما ما وجب لأجل الترفيه فخمسة دماء : دم تقليم الظفر ، ودم ترجيل الشعر ، ودم الطيب ، ودم اللباس ، ودم تغطية يعلق به الإحرام من رأس الرجل ووجه المرأة ، فهذه خمسة دماء تجب لأجل الترفيه ، فكان حكمها حكم فدية الأذى في حلق الشعر في البدل ، والتخيير لاشتراك جميعها في الترفيه ، وقد قال الشافعي في الأم : إن جميع ذلك داخل في لفظ الآية فيكون تقدير الآية ، فمن كان منكم مريضا فتطيب أو لبس أو أخذ ظفره لأجل مرضه ، أو كان به أذى من رأسه فحلقه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فعلى هذا يكون في هذه الخمسة مخيرا بين دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين ، إما بنص الآية أو قياسا على المنصوص في الآية : لأن الشافعي قال في الإملاء : إن ذلك ليس بداخل في لفظ الآية ، وأما ما وجب لأجل الإتلاف فدم قطع الشجرة من الحرم ، وحكمه حكم جزاء الصيد في التعديل والتخيير ؛ لاشتراكهما في الإتلاف ، فيكون مخيرا بين الدم أو قيمة الدم طعاما ، أو عدل الطعام صياما فأما دم الوطء فضربان :

أحدهما : دم لفساد وقد مضى حكمه .

والثاني : دم استمتاع وهو دمان :

أحدهما : ما وجب بالوطء دون الفرج .

والثاني : ما وجب بالوطء في الفرج بعد الإحلال الأول فأما ما وجب بالوطء دون الفرج فشاة وقد اختلف أصحابنا هل يجري ذلك مجرى الترفيه أو مجرى الإتلاف على وجهين :

[ ص: 228 ] أحدهما : أنه يجري مجرى الترفيه فعلى هذا يكون كفدية الأذية مخيرا بين دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين .

والوجه الثاني : أنه يجري مجرى الإتلاف ، فعلى هذا يكون كجزاء الصيد في التعديل والتخيير ، فيكون مخيرا بين الشاة أو قيمة الشاة طعاما ، أو عدل الطعام صياما ، فأما ما وجب بالوطء في الفرج بعد الإحلال الأول فإن قلنا : إنه بدنة كان حكمها حكم البدنة في الإفساد ، وإن قلنا : شاة كان حكمها حكم الشاة في الاستمتاع فهذا حكم غير المنصوص عليه وهو أصح ما قيل فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية