الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : حكم تيمم من ببعض جسده قرح أو جرح

قال الشافعي : " وإن كان في بعض جسده دون بعض غسل مما لا ضرر عليه وتيمم لا يجزئه أحدهما دون الآخر " .

[ ص: 273 ] قال الماوردي : وصورتها : في رجل بعض جسده جريح أو قريح لا يقدر على إيصال الماء إليه ، فعليه أن يغسل ما صح من جسده ويتيمم في وجهه وذراعيه بدلا من الجريح والقريح ، هذا من منصوص الشافعي في هذا الموضع ، وقال فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه لجميع جسده قولين :

أحدهما : يجمع بين الماء والتيمم .

والثاني : يقتصر على التيمم وحده ، فاختلف أصحابنا في صاحب القروح فكان أبو إسحاق المروزي ، وأبو علي بن أبي هريرة يخرجانها على قولين مضيا ، كالواجد لبعض ما يكفيه تسوية بين العاجز عن بعض طهارته لعدم وبين العاجز عن طهارته لمرض ، والذي عليه جمهور أصحابنا أن صاحب القروح يلزمه الجمع بين الماء والتيمم قولا واحدا وإن كان في الواجد لبعض ما يكفيه قولان .

والفرق بينهما أن العجز إذا كان في بعض المستعمل سقط حكم الموجود منه كالواجد بعض الرقبة لا يلزمه عتقها ، وكذلك الواجد لبعض ما يكفيه ، والعجز إذا كان في بعض الفاعل لم يسقط حكم المعذور منه كالمكفر بنصف الحر إذا كان موسرا بالرقبة لزمه عتقها ولا يكون عجزه بنصفه المرقوق مسقطا لحكم التكفير بالعتق بنصفه الحر ، كذلك العاجز عن استعمال الماء في بعض جسده لا يسقط استعماله فيما قدر عليه من جسده وكذا المحدث في أعضاء وضوئه ، وقال أبو حنيفة : إن كان الأكثر من جسده أو أعضاء وضوئه قريحا تيمم ولم يغتسل ، وإن كان الأكثر صحيحا غسل الصحيح ، ولم يتيمم ولا يلزمه أن يجمع بين الماء والتيمم استدلالا بأن أصول الشرع مقررة على أن الأغلب هو المعتبر في الحكم وما ليس بغالب تبع ، قال : ولأن الجمع بين البدل والمبدل منه لا يجب كالصوم والرقبة في الكفارة .

ودليلنا على وجوب الجمع بينهما رواية عطاء عن جابر قال : " خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم : قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده " وهذا نص صريح في [ ص: 274 ] الجمع بين الماء والتيمم ، ولأن العجز عن إيصال الماء إلى بعض أعضائه لا يقتضي سقوط الفرض عن إيصاله إلى ما لم يعجز عنه ، قياسا على ما إذا كان عادما لبعض أعضائه ، ولأن تطهير بعض أعضائه بالماء لا يسقط فرض الطهر عما لم يصل إليه الماء قياسا على من كان صحيح الأعضاء ، ولأنها طهارة ضرورة فلم يعف فيها إلا عن قدر ما دعت إليه الضرورة كطهارة المستحاضة ، ولهذه المسألة أصل ، والكلام فيه مع أبي حنيفة أوضح وهو الواجد لبعض ما يكفيه من الماء ، وسيأتي الكلام فيه معه .

وأما الجواب عن استدلاله بالأغلب ، فهو أنه أصل لا يعتبر في الطهارات ، ألا ترى لو غسل أكثر جسده من جنابة أو أكثر أعضاء وضوئه من حدثه لم يجزه تغليبا للأكثر ، فكذا في مسألتنا هذه ، وأما الجواب عما ذكره من أنه جمع بين البدل والمبدل ، فهو أنه غير صحيح : لأن التيمم بدل ما لم يصل إليه الماء فلم يجز جمعا في محل بين بدل ومبدل - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية