الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 244 ] باب الصبي إذا بلغ ، والعبد إذا عتق ، والذمي إذا أسلم وقد أحرموا

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإذا بلغ غلام أو أعتق عبد أو أسلم ذمي ، وقد أحرموا ، ثم وافوا عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر ، فقد أدركوا الحج وعليهم دم ، قال في موضع آخر : إنه لا يبين له أن الغلام والعبد عليهما في ذلك دم ، وأوجبه على الكافر ؛ لأن إحرامه قبل عرفة وهو كافر ليس بإحرام ( قال المزني ) فإذا لم يبن عنده أن على العبد والصبي دما وهما مسلمان ، فالكافر أحق أن لا يكون عليه دم ؛ لأن إحرامه مع الكفر ليس بإحرام والإسلام يجب ما كان قبله ، وإنما وجب عليه الحج مع الإسلام بعرفات ، فكأنها منزله أو كرجل صار إلى عرفة ولا يريد حجا ثم أحرم ، أو كمن جاوز الميقات لا يريد حجا ، ثم أحرم فلا دم عليه وكذلك نقول .

قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على صبي أحرم بالحج ثم بلغ ، وعبد أحرم بالحج ثم أعتق ، وكافر أحرم بالحج ثم أسلم فبدأ بالكلام في الصبي والعبد لبداية الشافعي بهما واشتراك حكمهما ، قد ذكرنا فيما تقدم أن الحج يصح من الصبي والعبد وذكرنا خلاف أبي حنيفة في الصبي .

ودليلنا عليه فإذا ثبت صحة حجهما فبلغ الصبي وأعتق العبد بعد حجهما لم تجزهما عن حجة الإسلام ، وكان فرض الحج إن وجب عليهما باقيا في ذمتهما ؛ لراوية أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو حج الصبي عشر حجج كان عليه حجة بعد أن يكبر ، ولو حج العبد عشر حجج ، كان عليه حجة بعد أن يعتق " فأما إذا بلغ الصبي وأعتق العبد بعد الإحرام وقبل الإحلال فلذلك ضربان :

أحدهما : أن يكون البلوغ والعتق قبل الوقوف بعرفة .

والضرب الثاني : أن يكون بعد الوقوف بعرفة فإن كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو في عرفة فهما سواء ، والحكم فيهما واحد فيجزئها عن حجة الإسلام ويسقط ذلك فرض الحج عنهما .

وقال أبو حنيفة : لا يجزئهما عن حجة الإسلام ، ويكون حج الصبي باطلا إلا أن يستأنف الإحرام بعد البلوغ بناء على أصله في أن حج الصبي لا يصح ، ويكون حج العبد [ ص: 245 ] تطوعا بناء على أصله في أن من عليه فرض الحج يصح منه التطوع بالحج ، ونحن نبني ذلك على أصلنا في أن الصبي يصح منه الحج ، وأن من عليه فرض الحج لا يصح منه التطوع بالحج وقد مضى الكلام على هذين الأصلين ، ثم من الحجاج في غير المسألة أن قال : كيف يجزئ الصبي والعبد عن فرضهما حج ابتداء تطوعا وليس مثل من يحرم بالتطوع وعليه فرض ؛ لأن إحرام من أحرم بالتطوع وعليه فرض لم يعقد على تطوع ، وإنما انعقد على فرض ، وإحرام هذين انعقد على تطوع فلا ينقلب إلى فرض .

والدلالة عليه حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه ناس من أرض نجد ، فقالوا : يا رسول الله كيف الحج ؟ قال : الحج عرفة فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه . فكان على عمومه ولأنه وقوف مكلف تعقب إحراما صادف حرية وإسلاما ، فوجب أن يسقط به الفرض قياسا على من كان بهذه الأوصاف فابتدأ الإحرام بالحج .

فأما الجواب عن قوله : إن إحرام هذين قد انعقد تطوعا فلم يصر فرضا ، وخالف من أحرم بالتطوع وعليه الفرض ؛ لأنه لم ينعقد بالتطوع ، وإنما انعقد بالفرض أن يقال له : لا فرق بينهما به لما امتنع بما تقدم من الحجاج أن يبتدئ بالتطوع وعليه الفرض ، وقد يتحرر ذلك قياسا فنقول : كل من لزمه فرض الحج لم يصح منه التطوع بالحج كالمبتدئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية