الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو أفسد العبد حجه قبل عرفة ثم أعتق ، والمراهق بوطء قبل عرفة ، ثم احتلم أثما ، ولم تجزئ عنهما من حجة الإسلام ؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة رفعت إليه من محفتها صبيا فقالت : يا رسول الله ألهذا حج قال : " نعم ولك أجر " ( قال ) : وإذا جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد حجه ( قال المزني ) : وكذلك في معناه عندي يعيد ويهدي " .

قال الماوردي : إذا أحرم العبد بالحج ثم وطئ فيه فمذهب الشافعي أنه كالحر قد فسد حجه ، ولزمه إتمامه وقضاؤه ، وقال بعض أصحابنا : لا قضاء عليه تخريجا من أحد القولين في الصبي : لأن العبد ممن لا يلزمه فرض الحج ، وهذا خطأ : لأن العبد ممن يلزمه الحج بالدخول فيه ، وإن لم يلزمه حجة الإسلام ، فإذا ثبت أن القضاء عليه واجب فهل يقضي في حال رقه أو بعد عتقه ؟ على وجهين :

أحدهما : بعد عتقه فإن قضاه في حال رقه لم يجزه ؛ لأن القضاء فرض ، والعبد ممن لا يصح منه فرض الحج .

والوجه الثاني : وهو منصوص الشافعي يجوز أن يقضيه في حال رقه : لأنه لما لم يكن الرق مانعا من وجوب القضاء عليه لم يكن مانعا من إسقاط فرض القضاء عنه فعلى هذا إن [ ص: 249 ] كان قد أحرم بالحج الذي أفسده بغير إذن سيده لم يكن له أن يحرم بحجة القضاء إلا بإذن سيده ؛ لأن القضاء إنما لزمه باختياره ، والسيد منع عبده مما وجب عليه باختياره كما يمنعه من صلاة النذر وصيام النذر ، فإن منعه من القضاء مدة رقه كان له إذا أعتقه ، فأما القضاء فلم يتناوله لأنه قد صار قضاء حينئذ ، وإن كان العبد قد أحرم بالحجة التي أفسدها بإذن سيده ، فهل للسيد منعه من القضاء أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : ليس له منعه ؛ لأن إذنه بالحج إذن به وبموجبه ، والقضاء من موجبه فلم يكن له منعه .

والوجه الثاني : له منعه منه وليس له القضاء إلا بإذنه ؛ لأن الإذن الأول إنما يتناول الحج الأول وموجبه الذي لا يعرى منه ، فأما القصد فلم يتناوله ؛ لأنه قد يعرى منه ، فعلى هذا له أن يمنعه من القضاء مدة رقه ، وإن مكنه من القضاء في رقه فقضاه ، سقط عنه القضاء ولم يجزه عن حجة الإسلام ، وإن منعه من القضاء حتى أعتق فقد لزمه حجتان : القضاء وحجة الإسلام ، وعليه أن يقدم حجة الإسلام على القضاء ؛ لأن حجة الإسلام لا يجوز أن يقدم عليها غيرها ، فإن قدم القضاء على حجة الإسلام ، انصرف إحرامه إلى حجة الإسلام دون القضاء ، ولزمه أن يحرم فيما بعد لحجة القضاء هذا إن كان العبد على رقه إلى أن أحل من حجة الفساد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية