الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثالث من الفصول الأربعة - وهو أن يعين له الإحرام في عام فيحرم في غيره - فعلى ضربين :

أحدهما : أن يعجل ما ثبت مؤجلا ؛ وهو أن يستأجره ليحج عنه في العام المقبل فحج عنه في العام الذي هو فيه فهذا الحج مجزئ عن المستأجر ، وللأجير جميع الأجرة : لأنه قد أدى جميع ما وجب عليه ولا خيار للمستأجر ؛ لأنه قد تعجل استحقاقه .

والضرب الثاني : أن يؤجل ما ثبت معجلا ؛ وهو أن يستأجره ليحج عنه في عامه فلا يحج عنه في عامه ويؤخره إلى عام غيره ، فهذا على ضربين :

[ ص: 269 ] أحدهما : أن يكون عقد الإجارة معينا فتبطل الإجارة بتأخره ؛ لأن فواته في العام يوجب تأخيره إلى العام المقبل والعقد المعين لا يجوز تأخيره فبطل ، فعلى هذا لو حج الأجير في العام المقبل كان الحج واقعا عن نفسه دون مستأجره ولا أجرة له : لأن الإجارة بفوات الوقت قد بطلت والوقت الذي حج فيه غير مأذون فيه ، فصار ما فعله الأجير من الحج لم يتناوله عقد ولا إذن .

والضرب الثاني : أن يكون عقد الإجارة في الذمة فلا يبطل العقد بتأخره : لأن ما في الذمة لا يبطل بتأخره عن محله كـ " السلم " ، فإذا ثبت أنه لا يبطل فللمستأجر حالتان :

إحداهما : أن يكون قد استأجره ليحج عنه وهو حي ؛ فإذا كان كذلك فهو بالخيار بين أن يقيم على الإجارة إلى العام المقبل وبين أن يفسخ : لأنه قد يستفيد بفسخه الاتفاق بالأجرة إلى العام المقبل .

والحالة الثانية : أن يكون قد استأجره ليحج عن ميت ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون المستأجر قد تطوع بذلك عن الميت من ماله دون تركة الميت فللمستأجر الخيار بين أن يقيم على الإجارة إلى العام المقبل وبين أن يفسخ : لأنه قد يجوز أن يرتفق بالمال إلى العام المقبل .

والضرب الثاني : أن يكون قد استأجره من تركة الميت ، فليس له فسخ الإجارة وعليه الصبر إلى العام المقبل : لأنه ليس يقدر على استئجار من يحج قبله ولا يجوز له الارتفاق بالمال إن ارتجعه ، فلم يكن لفسخه معنى ، فإن خاف المستأجر فليس للأجير رفع أمره إلى الحاكم ليتولى فسخ الإجارة لحكمه على حسب نظره واجتهاده ، فعلى هذا لو لم يعلم المستأجر حال الأجير في تأخير الحج حتى يحج في العام المقبل كان الحج واقعا عن المحجوج عنه دون الأجير واستحق الأجير جميع الأجرة المسماة : لأن الإجارة بفوات العام الماضي لم تبطل فكان فعله من الحج قد تناوله عقد الإجارة فاستحق به جميع الأجرة .

فهذا الكلام فيه إذا عين له الإحرام في عام فأحرم في عام غيره وما يتعلق به من أحكامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية