الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يموت بعد الإحرام وقبل كمال الأركان كأنه أحرم وأتى ببعض الأركان وبقي بعضها ثم مات قبل إكمالها فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون الإجارة معينة .

والثاني : أن تكون في الذمة . فأما الضرب الأول وهو أن تكون الإجارة معينة ؛ فقد بطلت فيما بقي من الأركان ، فأما الماضي منها فثوابه للمستأجر دون الأجير ؛ لأن الموت لم ينقل الإحرام عن المستأجر إلى الأجير ، وهل يستحق الأجير من الأجرة بقسط ما عمل من الأركإن أم لا ؟ على قولين :

[ ص: 274 ] أحدهما : وهو قوله في القديم : لا يستحق من الأجرة شيئا ووجه ذلك أن المقصود بالإجارة إسقاط الفرض عن المستأجر ، وموته قبل كمال الأركان غير مسقط للفرض عن المستأجر فلم يستحق الأجرة ولا شيئا منها ؛ لعدم المقصود بها ، وكان كمن قال لغيره : إن جئتني بعبدي الآبق فلك دينار فجاء به بعض المسافة ثم هرب أو مات لم يستحق من العوض شيئا وإن عمل بعض العمل ؛ لفوات المقصود وهو رد الآبق ؛ كذلك موت الأجير في الحج قبل كمال أركان الحج .

والقول الثاني : وهو الصحيح وبه قال في الجديد : إنه يستحق من الأجرة بقسط ما عمل ؛ لأن الأجرة مقسطة على الأعمال المقصودة وهي أركان الحج ومناسكه ؛ كالإجارة على بناء حائط ، أو خياطة ثوب بتقسيط الأجرة فيه على أجزائه ، فلو مات الأجير بعد عمل بعضه استحق من الأجرة بقسطه ؛ كذلك الإجارة على الحج ، ولا يشبه ذلك الجعالة ؛ لأن عقد الإجارة لازم ، فتقسطت الأجرة على الأعمال ، والجعالة غير لازمة فاستحق العوض فيها بعمل المقصود ولم تتقسط على الأعمال ، فإذا ثبت أنه يستحق من الأجرة بقسط ما عمل فهل تكون الأجرة مقسطة على المسافة والعمل أم تكون مقسطة على العمل دون المسافة ؟ على قولين : أحدهما : إنها تقسط عليهما فيكون له من الأجرة بقدر سفره وعمله ؛ لأن ما لا يتوصل إلى المقصود إلا به فهو مقصود في نفسه .

والقول الثاني : إنها تقسط على العمل دون المسافة فيكون له من الأجرة بقسط عمله دون سفره ، والأول أظهر عندي .

وأما الضرب الثاني : وهو أن تكون الإجارة في الذمة ، فلا تبطل بموت الأجير ، لكن قد اختلف قول الشافعي : هل يجوز لغيره البناء على عمله أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : وهو قوله في القديم : يجوز لغيره البناء على عمله ، ووجه ذلك شيئان :

أحدهما : أن المقصود إكمال الأركان ليسقط بها الفرض فلم يفترق الحال بين أن يكملها شخص واحد أو شخصان .

والشيء الثاني : أن الحج قد يكمل لشخصين ؛ ألا ترى أن حج الصبي قد يكمل لشخصين ؛ لأن وليه يحرم عنه ثم يأتي الصبي بباقي الأركان بنفسه ؟ كذلك الأجير .

والقول الثاني : قاله في الجديد : إنه لا يجوز لغيره البناء على عمله ، ووجه ذلك شيئان :

أحدهما : إن الحج عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فلم يجز إكمالها بشخصين كالصلاة والصيام .

[ ص: 275 ] والشيء الثاني : أنه لو جاز لغيره البناء على عمله ميتا لجاز لغيره البناء على عمله حيا ، فلما لم يجز البناء على عمل الأجير إذا كان حيا لم يجز البناء على عمله إذا كان ميتا .

التالي السابق


الخدمات العلمية