الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا مات وقد أدى فرض الحج ولم يكن قد وجب عليه الحج فوصى أن يحج عنه متطوعا ، ففي صحة وصيته وجوازه النيابة عنه في تطوعه قولان منصوصان نص عليهما في الأم :

أحدهما : إنها وصية صحيحة والنيابة عنه في تطوعه جائزة ، وقد مضى توجيه القولين في أول الكتاب ، فإن قلنا ولم تجز النيابة عنه ببطلان الوصية سقط حكمها فيها ، وإن قلنا بصحة الوصية لم يخل حاله من أربعة أقسام :

أحدها : أن يعين من يحج عنه ويعين القدر الذي يحج به فيقول : أحجوا عني زيدا بمائة دينار فلا يخلو حال زيد من أحد أمرين : إما أن يكون أجنبيا أو وارثا ؛ فإن كان أجنبيا صحت له الوصية وكان جميع الوصية في الثلث ؛ لأنها تطوع ، فإن قبل الوصية حج عنه بجميع المائة أو بما احتمله الثلث من المائة وإن رد الوصية بالحج ولم يقبلها ففي بطلان الوصية وجهان :

أحدهما : قد بطلت الوصية ؛ لأن الوصية إذا تعلقت بعين لم يجز صرفها إلى غير تلك العين ؛ كما لو أوصى إلى رجل بمائة فلم يقبلها لم يجز صرفها إلى غيره . والوجه الثاني أنها لا تبطل ؛ لأنها في مقابلة عمل يعاوض عليه فلم يكن تعيينها في شخص مانعا من نقلها إلى غيره عند عدم قبوله ؛ كمن وصى ببيع عبده على زيد ويتصدق بثمنه فامتنع زيد من ابتياعه لم تبطل الوصية وبيع إلى غيره ، فعلى هذا هل تصرف جميع المائة في غيره أو يصرف أقل ما يوجد من يحج به ؟ على وجهين :

[ ص: 280 ] أحدهما : وهو الصحيح : أنه يصرف إلى غيره أقل ما يوجد أحد يحج به وتبطل الزيادة وتعود إلى التركة ؛ لأنها وصية معينة لشخص لم يقبلها ؛ كمن وصى ببيع عبده على زيد بمائة وهو يساوي مائتين على أن يتصدق بثمنه فامتنع زيد من ابتياعه بيع على غيره بالمائتين ولم يبع على غيره بالمائة ؛ لأن المحاباة قد كانت وصية لشخص لم يقبلها فبطل حكمها .

والوجه الثاني : أن يصرف إلى غيره جميع المائة وكان المقصود منها صرف جميعها في الحج ، والتعيين يستفاد به تقديم المستحق ، والأول أقيس وبنص الشافعي أشبه ، وإن كان زيد وارثا لم يجز أن يحج بها ؛ لأنها وصية ، والوصية لا تصح لوارث ، فعلى هذا في بطلانها وجهان على ما مضى .

والقسم الثاني : أن لا يعين من يحج عنه ولا يعين القدر الذي يحج به عنه ؛ وهو أن يقول أحجوا عني ، فالواجب أن يستأجر رجلا يحج عنه بأقل ما يوجد أحد يحج به ويكون ذلك في الثلث أيضا ؛ لأنه تطوع ليس بواجب ، فإن حج بذلك وارث جاز ، فإن قيل : أليس ما كان محله في الثلث وصية والوصية لا تصح لوارث فهلا منعتموه من ذلك ؟ قيل إنما يمنع من الوصية له وليس يمنع من أن يعاوض على ما ينفذ في الوصايا ؛ ألا ترى أنه لو وصى بابتياع عبد يعتق عنه أو طعام يتصدق به عنه جاز أن يبتاع ذلك من الوارث بثمن مثله ؟ لأن ذلك وإن كان محله في الثلث فهو ليس يأخذه وصية وإنما يأخذه معاوضة ؛ فكذلك في الحج لأنه يأخذ أجرة مثله عوضا من عمله .

والقسم الثالث : أن يعين من يحج عنه ولا يعين القدر الذي يحج به عنه وهو أن يقول : أحجوا عني زيدا ، فالواجب أن يدفع إلى زيد أقل ما يوجب من يحج به وارثا كان أو غير وارث ، فإن امتنع زيد من قبول ذلك ، ففي بطلان الوصية وجهان .

والقسم الرابع : أن لا يعين من يحج عنه ويعين القدر الذي يحج به عنه ؛ وهو أن يقول أحجوا عني بمائة دينار ، فتصرف إلى غير وارث إذا كانت أكثر من أجرة المثل ؛ لأنها وصية ، فإن عرضت على شخص فلم يقبلها نقلت إلى غيره ؛ لأنها غير معينة في شخص بعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية