الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن جزاء الصيد وقطع عضو منه مضمون كضمان نفسه وجب على جارح الصيد أن يراعي جرحه ، ويتعاهد طعامه وشرابه ، فإذا اندمل الجرح استقر الضمان ، فيقوم الصيد حينئذ وهو صحيح لا جرح به ، فإذا قيل : قيمته مائة درهم قوم وهو مجروح قد اندمل جرحه ، فإذا قيل : تسعون درهما علم أنه قد نقص بالجراحة العشر ؛ قاله الشافعي : فيكون عليه عشر ثمن شاة : لأن الصيد ظبي ، لو قتله لافتداه بشاة ، فاختلف أصحابنا ، فكان أبو إبراهيم المزني يقول : عليه عشر شاة ، فأوجب المثل في الجراح كما أوجب المثل في النفس ، وساعده بعض أصحابنا على ذلك : لأن كل جملة كانت مضمونة بالمثل كانت إحداهما مضمونة بالمثل ، كالطعام المغصوب إذا أتلف جميعه ضمنه بمثله ، ولو أتلف قفيزا منه ضمنه بمثله ، وكان أبو إسحاق المروزي وأبو علي ابن أبي هريرة وسائر أصحابنا يحملون كلام الشافعي على ظاهره ، ويوجبون عليه عشر ثمن شاة ؛ لأمرين :

أحدهما : أن كل جملة مضمونة بالمثل كان النقص الداخل عليها بالجناية مضمونا بالأرش من القيمة دون المثل كالطعام المغصوب إذا بله بالماء ، أو قلاه بالنار ، ضمن أرش نقص دون المثل .

والثاني : أن في إيجاب عشر شاة إضرارا به : لأنه يحتاج إلى شركاء في الشاة ليكون في شريكهم فيها بالعشر ، فهذا متعذر ، وإلى أن يهدي شاة كاملة : ليصل عشرها إلى المساكين ، وفي ذلك إضرار ، فإذا تقرر هذان المذهبان فعلى مذهب المزني أن يكون مخيرا بين ثلاثة أشياء : بين أن يهدي عشر شاة ، أو يخرج قيمة العشر طعاما ، أو يكفر بدل الطعام صياما ، وعلى مذهب الشافعي وظاهر نصه يكون مخيرا بين أربعة أشياء : بين عشر ثمن الشاة ، [ ص: 299 ] وبين أن يهدي عشر شاة ، وبين أن يخرج قيمة العشر طعاما ، وبين أن يكفر عدل الطعام صياما .

التالي السابق


الخدمات العلمية