الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن جزاء الصد على التخيير فقاتل الصيد مخير بين المثل من النعم وبين الإطعام وبين الصيام ، فإن اختار المثل من النعم فقد ذكرنا أن عليه مثله في الشبه والصورة من غير تقويم وقد مضى حكمه ، وخلاف أبي حنيفة فيه : وإن اختار الإطعام فإنه يقوم المثل دراهم ، يشتري بالدراهم طعاما يتصدق به ، وقال مالك : يقوم الصيد دون المثل [ ص: 300 ] مع موافقته على إخراج المثل استدلالا بأن الإطعام إنما وجب بقتل الصيد كما أن المثل إنما وجب بقتل الصيد ، فلما كان المثل معتبرا بالصيد وجب أن يكون الإطعام معتبرا بالصيد ، ولأنه إذا عدل عن المثل إلى الإطعام فقد استوى حكم ما له مثل وما لا مثل له في تقويم الصيد ، ولأن ضمان الصيد ضمان متلف وسائر المتلفات تعتبر فيها قيمة المتلف لا قيمة مثله - فكذا الصيد يجب أن يعتبر فيه قيمة الصيد المتلف لا قيمة مثله ، والدلالة عليه قوله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين [ المائدة : 95 ] ، وفي الآية دليلان : أحدهما : قوله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم فرفع الجزاء وجر المثل على قراءة كثير من القراء فأوجب عليه بظاهر هذه القراءة جزاء مثل المقتول ، ولم يوجب جزاء المقتول ، والدلالة الثانية منها قوله تعالى : أو كفارة طعام مساكين يعني كفارة ما تقدم ذكره ، وقد تقدم ذكر الصيد والمثل فلم يجز أن ترجع إليها جميعا ، وإنما ترجع الكفارة إلى أحدهما ، ورجوعها إلى المثل دون الصيد أولى : لأنه أقرب المذكورين ، ولأن الإطعام قد يتقدمه المثل ويتعقبه الصيام ، فلما كان ما يتقدمه من المثل معتبرا بما يليه وهو الصيد ، وما يتعقبه من الصيام معتبرا بما يليه من الإطعام ، وجب أن يكون الإطعام معتبرا بما يليه وهو المثل ، وتحرير ذلك قياسا أنه مخرج في الجزاء ، فوجب أن يكون معتبرا بما يليه في التلاوة كالمثل والصيام ، فأما الجواب عن استدلاله بأن المثل لما كان معتبرا بالصيد ، وجب أن يكون الإطعام معتبرا بالصيد : وهو أن يقال : إنما اعتبر المثل بالصيد : لأنه يليه في التلاوة ، فوجب أن يكون الإطعام مثله معتبرا بما يليه في التلاوة ، وقد جعلنا ذلك دليلا .

وأما ما ذكره مما لا مثل له ، فإنما اعتبر فيه قيمة الصيد لعدم المثل ، وليس كذلك ما له مثل ، وأما قوله : إنه لما كان في سائر المتلفات تعتبر قيمتها دون أمثالها ، فكذلك في الصيد ، قلنا الاعتبار في سائر المتلفات قيمة أمثالها دون المتلفات في أنفسها : لأنه يقال : كم قيمة هذا المتلف ؟ إلا أن ما له مثل من جنسه قد تستوي قيمته وقيمة مثله ، وما لا مثل له من جنسه كالصيد قد تختلف قيمته وقيمة مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية