الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : [ كيفية تيمم أصحاب الجبائر ]

قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يعدو بالجبائر موضع الكسر ، ولا يضعها إلا على وضوء كالخفين " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، والجبائر ما كانت على كسر ، واللصوق ما كانت على قرح ، فإذا انكسر عضو من بدنه فاحتاج إلى ستره بالجبائر ، فإن كان يقدر عند الطهارة على حلها ، وإيصال الماء إليها شدها كيف شاء على طهر أو غير طهر ، فجاوز قدر الحاجة وغير مجاوز ، وإن كان لا يقدر عند الطهارة على حلها خوف التلف وزيادة المرض على أحد القولين فيحتاج عند شد الجبائر إلى شرطين ليصح له المسح عليها .

أحدهما : أن لا يضعها إلا على طهر ، فإن كان محدثا لم يجزه المسح عليها كالخفين لا يجوز أن يمسح عليهما إلا أن يلبسهما على طهر .

[ ص: 278 ] والشرط الثاني : أن لا يتجاوز شد الجبائر موضع الحاجة ، وهو موضع الكسر وما لا بد منه من الصحيح لأن شد الكسر وحده لا يغني إلا أن يشد معه بعض ما اتصل به من الصحيح ، وقول الشافعي : ولا يعدو بالشد موضع الكسر ، إنما أراد وما قاربه على ما وصفنا ، فإن تجاوز بالشد على قدر الحاجة لم يجزه المسح عليها .

فصل : فإذا أتى بهذين الشرطين ثم أحدث ، أو أجنب ، غسل ما لا جبيرة عليه من بدنه ثم مسح على الجبائر بالماء بدلا من غسلها تحتها ، كما يمسح على الخفين ، بدلا من غسل الرجلين ، وفي قدر المسح وجهان لأصحابنا .

أحدهما : يمسح جميع الجبائر ليكون خلفا من عمل العضو الكسير ونائبا عنه .

والوجه الثاني : يمسح بعضها وإن قل فيما ينطلق اسم المسح عليه كالرأس والخفين ثم لا يخلو حال الجبائر من أن يكون على أعضاء التيمم أم لا ، فإن كان على أعضاء التيمم لم يحتج مع مسح الجبائر بالماء إلى التيمم ، وإن كان على غير أعضاء التيمم فهل يلزم مع مسح الجبائر بالماء التيمم أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : لا يتيمم ويقتصر على الماء وحده غسلا لما ظهر ومسحا على ما استتر : لأن مسح الجبائر معتبر بالمسح على الخفين ، وليس مع المسح على الخفين تيمم فكذا المسح على الجبائر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا بالمسح على الجبائر لم يأمره بالتيمم .

والقول الثاني : عليه أن يتيمم بدلا من تطهير ما تحت الجبائر لرواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صاحب الجروح : " إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده ، وإن قلنا : إنه يحتاج إلى التيمم صلى بغسله وتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يحدث كالمسح على الخفين .

وإن قلنا : إنه يحتاج إلى التيمم أعاد التيمم عند كل صلاة فريضة ، ولم يعد الغسل والمسح فإذا أحدث استأنف ثانية على ما وصفنا كذلك ما كان مضطرا إلى الجبائر ، وإن زاد على اليوم والليلة بخلاف المسح على الخفين المقدر بيوم وليلة : لأن الضرورة التي أباحت المسح على الجبائر قد تستديم أكثر من يوم وليلة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية