الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : ولو دل على صيد كان مسيئا ولا جزاء عليه كما لو أمر بقتل مسلم لم يقتص منه وكان مسيئا .

قال الماوردي : هذا كما قال إذا قتل المحرم صيدا بدلالة غيره فالجزاء على القاتل دون الدال ، وقال أبو حنيفة : الدال على الصيد كالقاتل ، فإن كانا محرمين فعلى كل واحد منهما الجزاء ، وإن كان الدال محرما والقاتل حلالا فالجزاء على الدال دون القاتل ، وإن كان القاتل محرما ، والدال حلالا فالجزاء على القاتل دون الدال ، واستدل على ذلك بقوله ، صلى الله عليه وسلم : الدال على الخير كفاعله فجمع بين الدلالة والفعل ، فدل على اجتماعهما في الحكم ، [ ص: 307 ] وبرواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " هل ضربتم أو أعنتم أو أشرتم ، قالوا : لا ، قال : فكلوا " ، فجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الضرب وبين الإشارة في الاستفهام وأباح الأكل بعدهما فدل على اشتراكهما في الحكم ، ثم كان الضرب موجبا للجزاء فوجب أن تكون الإشارة بالدلالة موجبة للجزاء : ولأن الدلالة كسبب أفضى إلى قتل الصيد فوجب أن يتعلق به ضمان الصيد كالشبكة إذا طرحها ، والأحبولة إذا نصبها : ولأنه تسبب ، فحرم به أكل الصيد بحرمة الإحرام ، فوجب أن يلزم به الضمان كالقتل : ولأن الصيد قد يضمن بالتسبب كما يضمن بالمباشرة : لأن حافر البئر يضمن ما وقع فيها من صيد ، كما يضمن بالمباشرة ، وإذا استوى التسبب والمباشرة في وجوب الضمان وجب أن تستوي الدلالة والقتل في وجوب الضمان : لأن الدلالة سبب والقتل مباشرة .

والدلالة عليه قوله : فجزاء مثل ما قتل من النعم ، فعلق الجزاء بالقتل ، فاقتضى ألا يجب الجزاء بعدم القتل ، ولأنها نفس مضمونة بالجناية فوجب ألا تضمن بالدلالة كالآدمي ، ولأنه صيد توالى عنه جناية ودلالة ، فوجب أن يضمن بالجناية ولا يضمن بالدلالة كصيد المحرم : ولأن الصيد قد يجتمع فيه حقان : حق الله تعالى وهو الجزاء ، وحق الآدمي وهو القيمة إذا كان مملوكا ، فلما لم يجب حق الآدمي بالدلالة فكذلك لا يجب حق الله تعالى بالدلالة : ولأن الصيد لا يضمن إلا بأحد ثلاثة أشياء : إما باليد أو بالمباشرة أو بالتسبب ، فاليد أن يأخذ صيدا فيموت في يده فيضمن ، والمباشرة أن يباشر قتله فيضمنه ، والتسبب أن يحفر بئرا فيقع فيها الصيد فيضمن .

والدلالة ليست يدا ولا مباشرة ولا سببا : لأنها لو كانت سببا يجب بها الضمان ، لوجب إذا انفردت أن تكون سببا يجب الضمان ، فوجب ألا يتعلق بالدلالة ضمان ، فأما الجواب عن قوله : الدال على الخير كفاعله فهو أن المقصود بهذا الحديث الخبر والإرشاد إليه ، فلم يجز أن يستدل به في غير ما وضع له ، ولو اعتمد على ظاهر لفظه لم يصح الاستدلال به من وجهين :

أحدهما : أنه جعل الدال على الخير كفاعله ، وليست الدلالة على الصيد خيرا ، فوجب أن لا يكون كفاعله .

والثاني : أنه لما شبه الدال بالفاعل دل على أنه ليس بفاعل ، فوجب أن لا يتعلق على الدال ضمان : لأنه لما لم يكن منه فعل يوجب الضمان ، ويجمع بين الدال والقاتل في الإثم ، لأن الإثم قد يجب بالفعل وغير الفعل ، وأما حديث أبي قتادة فلا حجة فيه ، لأنهم سألوه [ ص: 308 ] عن أكله لا عن جزائه ، فجعل الإشارة كالضرب في تحريم أكله دون جزائه ، وأبو حنيفة يجعل الإشارة كالضرب في جزائه دون أكله ، فلم يصح استدلاله به ، وأما قياسهم على الشبكة والأحبولة فالمعنى فيه أنه قد يوجب ضمان الصيد إذا انفرد ، وليس كذلك الدلالة ، وأما قياسهم على القتل فالمعنى فيه حصول الإتلاف به ، وليس كذلك الدلالة ، وما ذكروا من أن الدلالة سبب فقد بينا أنها غير سبب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية