الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : " ومن قطع من شجر الحرم شيئا جزاه محرما كان أو حلالا .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، شجر الحرم ونباته حرام لا يجوز قطعه ولا إتلافه لحلال ولا محرم : لقوله تعالى : وهذا البلد الأمين [ التين : 3 ] ، وقال سبحانه : إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [ النمل : 91 ] ، وروى طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام إلى يوم القيامة ، ولم يحل لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، ثم هي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكه ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف ، ولا يختلى خلاه ، قال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : إلا الإذخر ، ولا هجرة ولكنه جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا " .

فإذا ثبت هذا فجميع ما نبت في الحرم ضربان : شجر ونبات : فأما الشجر فعلى أربعة أضرب :

[ ص: 311 ] أحدهما : أن يكون مما أنبته الله تعالى في الموات كالأراك والسلم ، فقطعه حرام على المحرم والحلال ، وهو مضمون بالجزاء ، وقال مالك وداود : قطعه حرام ولكن لا جزاء فيه : تعلقا بقوله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ، فلما أوجب الجزاء في الصيد ، والشجر ليس بصيد ، وجعل الجزاء مثله من النعم ، والشجر ليس له مثل من النعم : دل على أن الجزاء لا يجب في الشجر : ولأن قطع الشجر لو كان مضمونا في الحرم لكان مضمونا في الحل على المحرم كالصيد ، فلما لم يكن مضمونا على المحرم لم يكن مضمونا في الحرم ، ودليلنا ما رواه سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في الدوحة إذا قطعت من أصلها بقرة ، وكذلك روي عن عطاء ، لكن لم يذكره الشافعي ، وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في الشجرة بقرة ، وليس لهما في الصحابة مخالف : ولأنه أتلف ما منع من إتلافه لحرمة الحرم فوجب أن يلزمه الجزاء كالصيد ، فأما استدلالهم بالآية فلا حجة فيها : لأنها توجب الجزاء في قتل الصيد ولا تمنع من وجوبه في غير قتل الصيد ، وأما شجر الحل فإنما كان غير مضمون على المحرم : لأنه غير ممنوع من إتلافه ، وليس كذلك شجر الحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية