الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما صيد الحل إذا أدخل الحرم بعد صيده فحكمه حكم صيد الحل دون الحرم ، فيجوز إمساكه وذبحه ، ولا جزاء في قتله ، وقال أبو حنيفة : قد صار حكمه بدخول الحرم حكم الصيد الحرم ، فلا يجوز إمساكه ولا ذبحه ، والجزاء واجب على قاتله تعلقا بقوله تعالى : ومن دخله كان آمنا [ آل عمران : 97 ] ، فجعل الله تعالى أمان الداخل إليه كأمان القاطن فيه ، فوجب أن يستوي حكمهما ، وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ولا ينفر صيدها : ولأن كل ما كان مانعا من الاصطياد كان مانعا من قتل الصيد كالإحرام ، والدلالة عليه : أن صيد الحرم حرام كما أن صيد المدينة حرام ، فلما جاز إدخال الصيد إلى حرم المدينة وإمساكه فيه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمير ما فعل النغير فأقره على إمساك الصيد في حرم المدينة ، وإن كان قد حرم صيد المدينة فكذلك يجوز إدخال الصيد إلى الحرم ، وإن لم يجز قتل صيد الحرم .

وتحرير ذلك قياسا : أنه موضع حرم قتل صيده ، فوجب أن لا يحرم فيه قتل ما صيد في غيره كالمدينة : ولأن صيد الحرم لو صيد وأخرج إلى الحل لم يزل عنه حكم الحرم ، وكان على حاله الأولى في تحريم قتله ، وجب إذا صاد من الحل صيدا أو أدخله الحرم أن لا يزول عنه حكم الحل ويكون على حاله الأولى في إباحة قتله .

وتحرير ذلك قياسا : أنه صيد أوجب إمساكه حكما فوجب ألا ينتقل عن حكمه بانتقاله عن موضعه قياسا على ما ذكرناه من صيد الحرم إذا أخرج إلى الحل : ولأن الله تعالى حظر صيد الحرم على أهل الحل والحرم ، وأباح صيد الحل لأهل الحل والحرم ، فلو منع من أن يذبح صيد الحل في الحرم ، لأنهم لا يقدرون على ذبحه في الحرم ، لأدى إلى حظر صيد الحل على أهل الحرم ، وإن ذبحوه في الحل راح وأنتن عند إدخاله الحرم فجاز لهم ذبح [ ص: 317 ] الصيد في الحرم ليستبيحوا ما أحل الله لهم ، وقد قال الشافعي : لم تكن لحوم الصيد تباع بمكة إلا بين الصفا والمروة ، فأما الجواب عن قوله تعالى : ومن دخله كان آمنا [ آل عمران : 97 ] ، فمن " وجهين :

أحدهما : أن لفظة " من " لا تتناول ما لا يعقل .

والثاني : أن قوله تعالى : ومن دخله والصيد لم يدخله وإنما أدخل إليه ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : لا ينفر صيدها لا يتناول ما أدخل إليها لأنه ليس من صيدها ، وأما قياسهم على الإحرام فمعناهما يختلف : لأن الله تعالى حرم قتل الصيد على المحرم ، وحرم قتل صيد الحرم ، وما أدخل الحرم مصيدا لم يكن من صيد الحرم ، فجاز قتله ، وما صيد قبل الإحرام ثم أحرم فهو قتل صيد من محرم ، فوجب أن يحرم قتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية