الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 329 ] باب جزاء الطائر

( قال الشافعي ) : " والطائر صنفان : حمام وغير حمام ، فما كان منها حماما ففيه شاة اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس ونافع بن عبد الحرث وابن عمر وعاصم بن عمر وسعيد بن المسيب " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن الصيد ضربان :

أحدهما : دواب وطائر ، فأما الدواب فقد مضى الكلام فيها ، وأما الطائر فضربان :

مأكول وغير مأكول . فأما غير المأكول : فيأتي . وأما المأكول : فعلى ثلاثة أضرب :

حمام ، ودون الحمام ، وفوق الحمام .

فأما الحمام فهو عند العرب معروف ، كـ " القماري " والدباسي ، والفواخت والوراشين ، وكذلك اليمام كالحمام ، والحمام عند العرب : ما كان مطوقا واليمام : ما لم يكن مطوقا ، وكلاهما في الحكم والمعنى سواء .

قال الشافعي : وعامة الحمام ما وصفت ما عب في الماء عبا من الطير فهو حمام ، وما شربه قطرة قطرة كشرب الدجاج فليس بحمام .

وجملته : أن كل ما عب وهدر وزق فرخه فهو حمام ، واليمام مثله .

والعب هو : أن يشرب الماء دفعة واحدة .

والهدر هو : أن يواصل صوته .

فإذا ثبت أن الحمام هو ما وصفت ، فإذا أصابه في الحرم أو الإحرام ، ففيه شاة ، وقال أبو حنيفة : في الحمام قيمته .

والدلالة عليه إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - وهو : ما روي عن نافع بن عبد الحرث قال : قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة فدخل دار الندوة في يوم جمعة ، وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد ، فألقى رداءه على واقف في البيت ، فوقع عليه طير من هذا الحمام ، فأطاره فانتهزته حية فقتلته ، فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان فقال : احكما علي في شيء صنعته اليوم ، إني دخلت هذه الدار ، وأردت أن أستقرب منها [ ص: 330 ] الرواح إلى المسجد ، فألقيت ردائي على هذا الواقف ، فوقع عليه طير من هذا الحمام ، فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه ، فوقع على هذا الواقف الآخر ، فانتهزته حية فقتلته ، فوجدت في نفسي أني أطرته من منزلة كان منها آمنا إلى موقفة كان فيها حتفه " ، فقلت لعثمان بن عفان كيف ترى في عنز ثنية عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين ؟ فقال : إني أرى ذلك ، فأمر بها عمر .

وروى عطاء أن ابنا لعثمان بن عبد الله بن حميد قتل حمامة ، فقيل ذلك لابن عباس ، فقال : يذبح شاة يتصدق بها .

وروي عن ابن عمر : أن رجلا سأله فقال : أغلقت بابا على حمامة وفرختها في الموسم ، فرجعت وقد متن ، فقال ابن عمر : عليك بثلاث شياه ، فكان هذا مذهب عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وابن عباس وابن عمر وغيرهم مما ذكره الشافعي ، وليس لهم في الصحابة مخالف .

واختلف أصحابنا في الشاة الواجبة في الحمام هل وجبت توقيفا أو من جهة المماثلة والشبه ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو منصوص الشافعي : أنها وجبت اتباعا للأثر وتوقيفا عن الصحابة لا قياسا .

والوجه الثاني : أنها وجبت من حيث الشبه والمماثلة : لأن فيها أنسا وإلفا ، وأنهما يعبان في الماء عبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية