الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن صار الطائر بالنتف غير ممتنع ، فعليه أن يمسكه ويطعمه ويسقيه لينظر ما يئول إليه حاله ، فإذا فعل ذلك لم يخل حاله من أحد أمرين :

إما أن يعيش أو يموت ، فإن عاش فعلى ثلاثة أقسام :

أحدهما : أن يعيش غير ممتنع ، ويصير مطروحا كالكسير الزمن ، فعليه ضمان نفسه ، وفداء جميعه ، لأن الصيد بامتناعه ، فإذا صار بجنايته غير ممتنع فقد أتلفه .

والقسم الثاني : أن يعيش ممتنعا ، ويعود إلى ما كان عليه قبل النتف ، ففيه وجهان ، على ما مضى :

أحدهما : لا شيء عليه : لعدم نقصه .

والثاني : عليه ضمان ما بين قيمته عافيا ممتنعا ومنتوفا غير ممتنع .

[ ص: 339 ] والقسم الثالث : أن يعيش ويغيب ، فلا يعلم هل امتنع أو لم يمتنع : إلا أن جنايته معلومة ، فعليه ضمان نفسه : لأن الأصل أنه غير ممتنع ، حتى يعلم امتناعه ، وفي غير الممتنع قيمته ، وإن مات الصيد فعلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يموت بالنتف ، فعليه ضمان قيمته ، أو فداء مثله : لأن موته من جنايته .

والقسم الثاني : أن يموت بسبب حادث غير النتف ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون السبب الحادث مما لا يتعلق به ضمان الصيد لو انفرد ، مثل أن يفترسه سبع أو يقتله محل ، فيكون على الجاني الأول أن يفديه كاملا : لأنه قد كان له ضامنا .

والضرب الثاني : أن يكون السبب الحادث مما يتعلق به ضمان الصيد لو انفرد ، مثل : أن يقتله محرم ، أو يقتله محل والصيد في الحرم ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون جناية الأول بالنتف قد استقرت فيه ، وبرأ غير ممتنع ، فإذا كان كذلك وجب على الأول أن يفديه كاملا : لأنه قد كفه عن الامتناع ، ووجب على الثاني أن يفديه كاملا : لأنه قتل صيدا حيا ، فإن كان مما يضمن بشاة ، كان على الأول شاة كاملة ، وعلى الثاني شاة كاملة ، وإن كان مما يضمن بالقيمة ، فعلى الأول قيمته وهو صيد ممتنع ، وعلى الثاني قيمته وهو صيد غير ممتنع .

والضرب الثاني : أن تكون جناية الأول بالنتف لم تستقر ، ولا برأ منها ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون الثاني قاتلا للصيد بالتوجيه ، وهو أن يذبحه أو يشق بطنه ويخرج حشوته فإذا كان كذلك وجب على الأول ما بين قيمته عافيا ومنتوفا : لأنه بالنتف جارح ، ووجب على الثاني أن يفديه كاملا : لأنه بالتوجيه قاتل .

والضرب الثاني : أن يكون الثاني جارحا له من غير توجيه ، فإذا كان كذلك فقد استويا فيكونان قاتلين ، وتكون الفدية عليهما نصفين ، فهذا حكم القسم الثاني .

والقسم الثالث : أن يموت بعد أن يغيب عن العين غير ممتنع ، ولا يعلم هل مات بما تقدم من الجناية ، أو بسبب حادث غير الجناية ، فعليه أن يفديه كاملا : لأمرين :

أحدهما : أن حدوث سببه بعد الأول مظنون : فلم يجز أن يسقط به حكم اليقين .

والثاني : أن الأول قد ضمن جميع قيمته ، فلم يسقط مما ضمنه شيء بالشك .

قال الشافعي - رضي الله عنه - : ومن رمى طيرا فجرحه جرحا لا يمتنع معه ، أو كسره كسرا لا يمتنع معه ، فالجواب فيه كالجواب في نتف ريش الطائر سواء ، لا يخالفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية