الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إن كانوا يرجون انكشاف العدو وزواله فلا يخلو ذلك من أحد أمرين .

إما أن يكون ذلك من طريق اليقين ، أو من طريق غلبة الظن ، فإن كان ذلك من طريق اليقين ، وهو أن يعترضهم العدو مجتازا ، ويعلمون أنه لا يمكنه المقام عليهم ، فإذا كان كذلك لم يخل حال الإحرام من أحد أمرين :

إما أن يكون بحج أو بعمرة ، فإن كان الإحرام بحج ، نظر : فإن كان إدراك الحج ممكنا بعد انكشاف العدو ، وهو أن يكون الإحصار قبل الحج بشهر ، وبينهم وبين الحرم مسافة عشرة أيام ، فيكون الفاضل من القوت عشرين يوما ، فإذا تيقن أن العدو ينكشف إلى عشرين يوما فما دون ، فعليه المقام على الإحرام ، وليس له التحلل منه بالإحصار ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد عشرين يوما ، ولا ينكشف قبلها ، فهذا له أن يتحلل من إحرامه بالحج ، وهو الأولى له : لأنه على يقين من أنه ليس يدرك الحج ، فإن لم يتحلل حتى انكشف العدو وقد فاته الحج ، فليس له أن يتحلل بغير طواف وسعي : لزوال الإحصار ، وعليه أن يطوف ويسعى ، وعليه القضاء : لأجل الفوات ، وعليه دم : للفوات دون الإحصار ، فهذا إن كان إحرامه بحج ، فأما إن كان إحرامه بعمرة فإن تيقن انكشاف العدو عن زمان قريب ، وذلك يوم أو يومان أو ثلاثة أيام لزمه المقام على إحرامه ولم يكن له التحلل منه : لأنه لا مشقة عليه في استدامة الإحرام في هذه المدة ، ولا يخرج بها عن حد السفر إلى الإمامة ، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد زمان بعيد ، جاز له التحلل من إحرامه ولم يلزمه المقام عليه ، فإن قيل : ما الفرق بين الحج والعمرة حيث قلتم : إنه إذا كان محرما بحج ، فأحصر ، والوقت واسع ، وعلم أن العدو ينكشف بعد شهر ، وإدراك الحج لا يفوته بعد شهر - أن عليه

[ ص: 347 ] المقام على إحرامه ، وليس له التحلل منه ، ولو كان محرما بعمرة ، فأحصر ، وعلم أن العدو ينكشف بعد شهر ، أن له أن يتحلل من إحرامه ، وليس للعمرة وقت يفوت ، كما أن الحج هناك بعد شهر ليس يفوت : قيل : الفرق بينهما أن المحرم بالحج لو لم يحصر لم يمكنه التحلل منه قبل وقت الحج ، وكان عليه المقام على إحرامه إلى وقت الحج ، فلم يلتزم بالإحصار استدامة إحرام لم يكن لازما له ، وليس كذلك للمحرم بالعمرة : لأنه لو لم يكن إحصار لأمكنه التحلل من إحرامه عند فراغه من عمرته ، إذ ليس للعمرة وقت يختص به ، فجاز له التحلل من إحرامه بالإحصار : لأنه بالمقام على إحرامه يلتزم استدامة إحرام لم يكن لازما له ، فهذا الكلام فيه إذا تيقن انكشاف العدو .

التالي السابق


الخدمات العلمية