الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا لم يجد هديا يشتريه أو كان معسرا ففيها قولان : أحدهما أن لا يحل إلا بهدي ، والآخر أنه إذا لم يقدر على شيء حل وأتى به إذا قدر عليه إذا أمر بالرجوع للخوف أن لا يؤمر بالمقام للصيام والصوم يجزئه في كل مكان ( قال المزني ) القياس عنده حق وقد زعم أن هذا أشبه بالقياس ، والصوم عنده إذا لم يجد الهدي أن يقوم الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم يصوم مكان كل مد يوما .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن على المحصر تحلله هديا ، فالهدي شاة : لقوله تعالى :

فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ، وأقل ما يجوز في الميسور شاة تجوز أضحية ، وقال جابر : أحصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، فنحرنا البدنة عن سبعة ، ونحرنا البقرة عن سبعة ، فإذا ثبت أن هدي الإحصار شاة ، فلا يخلو حال المحصر من أحد أمرين :

إما أن يكون واجدا للشاة ، أو عادما لها .

فإن كان واجدا لها نحرها موضعه - على ما ذكرنا - ولم يجز أن يتحلل قبل نحرها : لقوله : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] : ولأن الهدي بدل من الأفعال التي تركها ، وهو لم يكن يتحلل إلا بها ، فكذلك الهدي الذي هو بدل لها ، فإذا ثبت أنه لا يجوز أن يتحلل قبل النحر ، فإن قلنا : إن الحلاق إباحة بعد حظر ، وليس بنسك ، فإحلاله يكون بالنحر وحده ، ولا يجزئه حتى ينحر هديه ناويا به الإحلال : لأنه ليس يتحلل بالأفعال التي انعقد عليها إحرامه فيجزئه فعلها بالنية المقدمة لها ، وإنما يتحلل بغيرها وهو الذي لم تضمنه نية إحرامه ، فافتقر في نحره إلى نية ليقع بها التميز ، ويحصل بها الإحلال ، فإذا نحر هديه فقد حل وإن قال : إن الحلاق نسك ، فإحلاله يكون بشيئين : وهما نحر الهدي ناويا ثم الحلق ، فإن نحر ولم يحلق فهو بعد على إحرامه ، فهذا حكم المحصر إذا كان واجدا لهدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية