الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا شرط مع الإحرام الإحلال بالمرض ، وهو أن يقول في إحرامه : إن حبسني مرض ، أو انقطعت في نفقة ، أو عاقني عائق من ضلال طريق أو خطأ في عدو ، تحللت ، فقد ذهب الشافعي في القديم إلى انعقاد هذا الشرط ، وجواز الإحلال به ، كحديث ضباعة بنت الزبير ، وعلق القول في الجديد على صحة حديث ضباعة : لأنه رواه مرسلا ، ورواه مسندا ، وروى مثله موقوفا ، فأما المرسل فهو ما رواه الشافعي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير ، فقال لها : أتريدين الحج ، فقالت : إني شاكية ، فقال : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، وأما المسند فرواه الشافعي عن عبد الله بن الحرث عن ابن جريج عن ابن الزبير عن طاوس وعكرمة عن ابن [ ص: 360 ] عباس قال : قالت ضباعة بنت الزبير : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني امرأة ثقيلة ، وإني أريد الحج ، فقال : أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني .

وأما الموقوف فرواه الشافعي عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال : قالت لي عائشة رضي الله عنها : هل تستثني إذا حججت ؟ قلت لها : ماذا أقول ؟ فقالت : قل اللهم الحج أردت ، وله عمدت ، فإن يسرته لي فهو الحج ، وإن حبسني حابس فهي عمرة ، فاختلف أصحابنا ، فكان بعضهم يخرج انعقاد الشرط وجواز الإحلال به ، على قولين :

أحدهما : أنه منعقد به ، والعمل به جائز : لما روي فيه من الأخبار .

والقول الثاني : أنه غير منعقد ، والعمل به غير جائز ؛ لقول الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] ، وقال آخرون من أصحابنا : الشرط منعقد قولا واحدا : لأنه في الجديد توقف عن العمل به : لأجل الحديث وصحته ، أو قد صححه أصحاب الحديث ، فلذلك انعقد الشرط قولا واحدا ، وجاز العمل به ، فعلى هذا لا ينعقد الشرط حتى يكون مقترنا بإحرامه ، فإن شرط قبل إحرامه أو بعده لم ينعقد الشرط ، وإن كان الشرط مقترنا بإحرامه ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون فيه غرض صحيح .

والثاني : أن لا يكون فيه غرض صحيح .

فإن كان فيه غرض صحيح ، وهو أن يقول : إن حبسني مرض ، أو انقطعت بي نفقة ، أحللت ، أو أنا حلال ، أو يشترط فيقول : إن أخطأت العدد ، أو ضللت عن الطريق ، أو عاقني عائق ، ففاتني الحج ، كان حجي عمرة ، فهذه الشروط كلها منعقدة : لما فيها من الغرض الصحيح ، وإن لم يكن في الشروط غرض صحيح ، مثل قوله : أنا محرم بحج ، فإن أحببت الخروج منه خرجت ، وإن لم يساعدني زيد قعدت ، فهذا وما أشبهه من الشروط فاسدة ، لا تنعقد ، ولا يجوز الإحلال بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية