الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما غير المعين فضربان : مطلق ، ومقيد .

فأما المقيد فهو أن يقول : لله علي أن أهدي كذا ، فعليه أن يهدي ما سماه سواء جاز أضحية أم لا حتى لو سمى بيضة لم يلزمه غيرها ، فإن نوى هدي شيء من غير أن يتلفظ به لم يلزمه بخلاف المعين قولا واحدا .

وأما المطلق فهو أن يقول لله علي أهدي هديا ويطلق من غير أن يعينه في شيء ولا يقيده لشيء ، ففيما يلزمه بهذا الإطلاق قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم ؛ قاله في كتاب " النذور " أنه يلزمه ما يجوز في الصدقة من النعم أو من غيره من قليل أو من كثير حتى لو أهدى بيضة أو تمرة أجزأه : لأن اسم الهدي ينطلق على النعم وغير النعم لغة وشرعا .

أما اللغة : فلأن الهدي مأخوذ من الهدية ، والهدية لا تختص بالنعم دون غيرها ، وأما الشرع ؛ فلقوله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة [ المائدة : 95 ] ، وقد يجب في الجزاء ما لا يجوز أضحية وقد سماه الله تعالى هديا ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في التبكير إلى الجمعة : ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة .

[ ص: 371 ] والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ، وبه قال أبو حنيفة : إنه يلزمه من النعم ما يجوز أضحية وذلك الثني من الإبل والبقر والماعز والجزع من الضأن ، فإن أهدى ما لا يجوز أضحية لم يجزه ، لأن الاسم المطلق إذا كان له حقيقة في اللغة ومعهود في الشرع وجب حمله على معهود الشرع دون حقيقة اللغة كالصلاة والصيام ، ومعهود الشرع في الهدي ما يجوز من النعم في الأضاحي دون غيرها ؛ لقوله تعالى في المتعة والإحصار : فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ثم كان إطلاق هذا الهدي يوجب إخراج ما يجوز أضحية من النعم فكذلك إطلاق الهدي من النذر ، فعلى هذا أقل الواجب عليه شاة : إما جذع من الضأن أو ثني من المعز ، فلو أخرج بقرة أو بدنة فهل يكون سبعها واجبا أو جميعها ؟ على وجهين :

أحدهما : أن يكون جميعها واجبا : لأن الهدي ينطلق على البدنة كانطلاقه على الشاة ، فلم يكن تخييره بينها وبين ما هو أقل منها موجبا لإسقاط الإيجاب في بعضها كالكفارات ، فعلى هذا ليس له أن يأكل شيئا منها .

والوجه الثاني : أن الواجب سبعها دون ما بقي من ستة أسباعها ؛ لأن كل سبع منها قد أقيم مقام شاة فاقتضى أن يكون الواجب ما قابل الشاة منها وباقيها تطوع ، فعلى هذا يجوز أن يأكل من ستة أسباعها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية