الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : في شروط البيع

فإذا ثبت ما ذكرنا في حقيقة البيع وانتقال الملك به :

فقد ذكر الشافعي في كتاب الأم ما يلزم به البيع ، وما يجوز أن يفسخ به البيع . فقال : وجماع ما يجوز من كل بيع آجل وعاجل ، وما لزمه اسم بيع بوجه ، لا يلزم البائع والمشتري حتى يجتمعا أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به ولا يعقداه بأمر منهي عنه ، ولا على أمر منهي عنه ، وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع ، فإذا اجتمع هذا لزم كل واحد منهما البيع فلم يكن له رده إلا بخيار ، أو في عيب يجده ، أو شرط يشترطه ، أو خيار الرؤية - إن جاز خيار الرؤية - ومتى لم يكن هذا لم يقع البيع بين المتبايعين .

وحكى المزني عن الشافعي في جامعه الكبير مثله سواء . فأراد الشافعي بهذه الجملة أن يبين شروط العقد ، وشروط الرد .

فأما شروط العقد التي يصير بها لازما فأربعة :

أحدها : أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به حتى لا يكونا مكرهين ولا أحدهما : لأن بيع المكره لا يصح .

والثاني : أن لا يعقداه بأمر منهي عنه يعني بذلك الأجل المجهول ، والشروط المبطلة للعقود ، وما ورد النهي في تحريمه من البيوع كالملامسة والمنابذة .

والثالث : أن لا يعقداه على أمر منهي عنه ، يعني بذلك الأعيان المحرمة : كالخمر والخنزير ، وما لا منفعة فيه : كالهوام والحشرات .

وهذه الثلاثة هي شروط في صحة العقد ، فمتى أخل بشرط منها ، فسد العقد .

والرابع : أن يفترقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع .

وهذا شرط في لزوم العقد بعد وقوع صحته .

وكان ابن المرزبان وغيره من أصحابنا يضمون إلى الأربعة شرطا خامسا : وهو أن يكون المتبايعان جائزي الأمر ، فلا يكونا ، ولا أحدهما ، محجورا عليه بصغر أو جنون ، أو سفه : لأن بيع المحجور عليه باطل . وامتنع سائر أصحابنا من تخريج هذا الشرط الخامس .

وأجابوا عنه بجوابين :

أحدهما : أن هذا شرط في البائع لا في البيع ، والشافعي إنما ذكر شروط البيع ، وهذا جواب البغداديين .

[ ص: 14 ] والثاني : وهو جواب البصريين أن ذلك داخل في جملة الشرط الثاني ، وهو أن لا يعقداه بأمر منهي عنه ، لأن عقد المحجور عليه منهي عنه ، فلم يحتج أن يجعله شرطا خامسا . وهذا أصح الجوابين : لأن الشافعي قد ذكر في الشرط الأول أن يعقداه عن تراض ، وهذا شرط في البائع دون البيع . فهذه شروط العقد .

فأما شروط الرد وما يكون به الفسخ فأربعة أيضا :

أحدها : الخيار الموضوع للفسخ ، وهو أحد خيارين : إما خيار المجلس أو خيار الثلاث .

والثاني : وجود العيب بالمبيع ، فيستحق به خيار الفسخ .

والثالث : شرط يشترطه في العقد فيعقده ، مثل أن يشترط في العقد رهنا في الثمن به ، أو كفيلا به ، فيمتنع المشتري من دفع الرهن فيه أو الكفيل به ، فيكون للبائع الفسخ ، أو يشترط المشتري في ابتياع العبد أنه ذو صنعة ، فيجده لا يحسنها فيكون للمشتري الفسخ .

والرابع : الرؤية في بيع العين الغائبة على خيار الرؤية ، إذا قيل بجوازه ، فيستحق به الفسخ على ما سيأتي . فهذه شروط الرد مع ما تقدم من شروط العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية